جُمل قصيرة وموجزة لكنها تحمل معنىً كبيراً، أطلقها المتحدث الرسمي لوزارة الصحة الدكتور محمد العبد العالي حين تحدث عن توصيته بفيروس كورونا «أنا أوجه هذه الرسالة ليس كمتحدث رسمي لوزارة الصحة ولا عن مجموعة من جهات معنية اليوم تجتمع بشكل مستمر ودائم، كطبيب، كأخ، كابن، كأب للجميع، كصديق، ابقوا في منازلكم أكبر قدر ممكن وابتعدوا عن مخاطر التجمعات، هذه هي أهم توصية في هذه المرحلة تحمي الجميع بإذن الله وتجعلهم في حالة صحية آمنة قدر الإمكان».

بكاريزمته الرائعة وكأنه يقدم دورة عملية للمتحدثين الرسميين، استطاع بحرفية أن يجذب أنظار الجميع من الإعلاميين والمتحدثين الرسمين ليس فقط في الخليج بل في الدول العربية، فقد قرأت مجموعة من التغريدات التويترية من ضمنها تغريدة لكبير الإعلاميين في التلفزيون الأردني رائد الحراسيس يثني على الدكتور قائلا: «المتحدث باسم وزارة الصحة السعودية الدكتور محمد العبدالعالي نموذج عربي جيد لمتحدثي الأزمات».

يبدو أن الدكتور العبدالعالي وقبله اللواء منصور التركي المتحدث الرسمي السابق لوزارة الداخلية، استطاعا أن يغيرا ماهو دارج عن عمل الناطق الرسمي في الجهات الحكومية، وأنه ليس شرطا أن يكون المتحدث الرسمي مختصا في الإعلام أو العلاقات العامة، بل يكون مختصا في موضوع القضية، اللواء التركي كان مهندسا كهربائيا ثم عمل في إدارة المرور، ثم في إدارة شؤون الحج بالأمن العام، وكلف بالعمل قائدا لمركز القيادة والسيطرة والتحكم بوزارة الداخلية، إلى أن أصبح المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية، وكذلك الحال مع ابن الأحساء الدكتور العبدالعالي خريج كلية الطب، وقد عين سابقا مديرا للشؤون الصحية بمحافظة الأحساء، وحاصل على أفضل بحث علمي في علم الأمراض بمستشفى الملك 2007، وجائزة أفضل طبيب زمالة لبرنامج علم الأمراض 2008.

نعم، المتحدث الرسمي المتخصص في الإعلام والعلاقات العامة لا يستطيع أن يرد على كل الأسئلة كونه ليس متخصصا في ذات القضية التي يجيب عنها، بعكس المتحدث المختص الذي يمتلك خبرة في المؤسسة التي يعمل فيها، وبالتالي لديه الخبرة في الرد على كل الأسئلة غير المتوقعة، فهناك فرق بين من يمتلك المعلومة ويحفظها ويرددها، وبين ومن هو متمكن منها، المتحدث المختص في القضية ذاتها، متمكن من المعلومة ومسيطر عليها، يوصلها بسرعة وبمهارة فائقة، وله القدرة على صياغتها واستحضارها متى ما دعت الحاجة، المتحدث الرسمي له أهمية كبيرة للجهة التي ينتمي إليها، فهو ليس موظفا عاديا بل يُعتبر ممثلا للمؤسسة ويعكس دور الاتصال الفعال بين المنظمة والجمهور، والعمل بهذه الوظيفة يتطلب مواصفات معينة لأن كل كلمة تكاد تكون محسوبة، وكل تصرف يكون عادة في الحسبان. فإذا وقع الخيار بين إعلامي جديد يتم استقطابه للمنظمة وبين موظف في نفس المنظمة يتم تأهيله، ستكون الأولوية في نظري للخيار الثاني، لأنه يمتلك معلومات كبيرة عن المنظمة.

أخيرا أقول: أرفع عقالي تحية للدكتور محمد العبدالعالي وأتمنى من كل الجهات الحكومية والخاصة أن تتعلم من هذه التجربة الفريدة.