في فيلم أمريكي (وبالمناسبة الذي يتذكر اسمه يبلغني لأني نسيته)، المهم أنه في هذا الفيلم، يتكون العالم من طابقين، الأعلى يعيش فيه الشعب المتحضر المتقيد بالتعاليم التي سنها الحاكم الذي استطاع حكم العالم بناء على قانون (يا أبيض يا أسود يا أنزل تحت لمحبي الألوان الأخرى).

قانون صاحبنا هذا يقول أنه تم اكتشاف أن المشاعر هي سبب الكوارث حول العالم، فيقال إن سبب انحراف الشاب من رجل نبيل إلى سيئ، أنه مثلا كان يحب (بنت الجيران) ولما تزوجت من غيره، قرر أن (يقلب الدنيا علينا ويصير حرامي)، ويقال كذلك أن وراء كل حرب (كره) أو (حب)، المهم أن مشاعرنا هي (ما نكب) عالمنا. الحاكم هذا قرر بلا رجعة إما أن تعيش معي بلا مشاعر، أو أدفنك في الطابق الأسفل بين المجرمين والقتلة وغيرهم، وفي هذا الطابق العلوي يمنع أن يرى أي شخص بمن فيهم ابن الحاكم وحتى الحاكم نفسه، أي لون آخر غير الأبيض والأسود، وبناء على ذلك تم تعديل الحياة بأكملها بما فيها من ألوان المباني والسيارات وحتى الذهب الذي يتفاخر في عالمنا هذا ببريقه فأنه في ذلك العالم ممنوع. المهم أن ابن الحاكم وفي يوم من الأيام ورغم أنه منذ ولادته لم ير أي لون آخر، ولكنه بالخطأ رأى وردة حمراء، فانتشر به (داء) المشاعر، أحب امرأة، فتزوجها (عن حب) وليس مثل باقي المواطنين هناك، فقط عملية (تكاثر ولا حب ولا بطيخ)، وبالطبع تعلمت منه زوجته داء الحب، وبعد أن اكتشف الحاكم خيانتهما العظمى قرر أن يعاقبهما ليس ببساطة كالقتل تعزيرا، بل بشدة، كأن يرسلهما للعيش في الطابق الأسفل ليريهما سببا منطقيا لقانونه هذا.

ابن الحاكم وزوجته وبعد أن ذهبا لهذا العالم الذي يشبه عالمنا (به ألوان وذهب وورود وحب وكره ومجرمون و.... و....)، اكتشفا أن الحياة بمشاعر ولو كانت خطيرة، تعني أن لك (قلبا ينبض)، وليس آلة لا تعرف إلا الأوامر والمدخلات، لتظهر مخرجات مشابهة لما قبلها، وتكون عملية متكررة تبعدك عن الإبداع والتفكر والتأمل. بعيدا عن الفيلم، من منا يشعر وكأن عمله يقتل به شيئا ما، أي أنه حينما يذهب إلى بيته أو حتى (ديوانية الربع)، يكتشف أن لديه جانبا من الإبداع، جانبا من الحب، جانبا من التفكر الذي يجعله يعتقد أن هذا العالم خلق (لنُحِب ونُحَب) حتى وإن كان حبا لحيوان (أكرمكم الله).

باختصار: من منا يفرض عليه عمله أو حتى والده أو.... أو.... أن يجعل منه آلة لا تخطئ وتنفذ جميع الأوامر بدقة تبلغ 100%، وتكون نتيجة عمله (يا أبيض يا أسود)، وهو يعتقد أنه لو تُرك ليعمل (بحب) خير من أن (يعمل بدقة)، لأن العمل بحب دائما مريح بعكس (يا أبيض يا أسود ليست دائما مريحة).