يقال «إذا عطست الصين أصيب العالم كله بالزكام»، في إشارة إلى اتساع تأثير الاقتصاد الصيني عالميا.

بعد أن عطست الصين بالفعل، إثر ظهور فيروس «كورونا الجديد» فيها، بدأ العالم بأسره يعاني تداعيات هذا «العطاس»، على جميع الأصعدة، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا.

توحي المؤشرات بأن الصين بدأت تتعافي من «الزكام»، في حين ما زال باقي دول العالم يعاني، والبعض «يتخبط» للسيطرة على الوضع، فضلا عن التفكير في تجاوز الأزمة وتداعياتها.

فأضحت الصين في أعين «مريديها» هي «النموذج المثالي» للخروج من الأزمة، ولسان الحال يقول «اطلبوا الحل ولو من الصين»، وذلك على حساب «النموذج الغربي» الذي أخفق في نظر كثيرين، وعلى رأسهم مناهضو الثقافة الغربية.

انقسمت منصات التواصل الاجتماعي والإعلام بين النموذجين «الصيني» و«الغربي». لكلٍّ وجهة هو مناصرها، فاستبقوا عقد المقارنات، بل تجاوزوه إلى «التشفي» بتردي الأوضاع في الغرب والتيقن بانهياره.

لم تغب مختلف النظريات عن المشهد، ابتداء من نظرية «مناعة القطيع»، مرورا بـ«التباعد الاجتماعي»، وانتهاءً بـ«نظرية المؤامرة»، والأخيرة حضرت

بمرونتها المطلقة لتناسب جميع السيناريوهات.

في البداية، نُسب فيروس كورونا إلى «الغرب» الذي يعمل جاهدا بقيادة «أمريكا» على تقييد نفوذ «التنين». وبما أن القائمة تتسع للجميع، فيمكن -وبكل سهولة- إضافة كل مناهض للغرب إلى الضحايا.

تبرأ الرئيس الأمريكي «ترمب» من التهمة بمنح فيروس كورونا «الجنسية الصينية»، وظل ينعته «بالفيروس الصيني» خلال عدد من مؤتمراته الصحفية وتغريداته. ولم يمض وقت طويل حتى ولّى الفيروس وجهه شطر الغرب، لتسجل عدة دول أوروبية، وأمريكا نفسها، أعلى معدل للإصابات والوفيات، وتبعته «نظرية المؤامرة» مولية وجهها شطره.

حضرت بجزئها الثاني والضحية الآن هو «الغرب»، معللة الأسباب استخفافهم بالخطر المحدق، وعدم اقتدائهم بإجراءات «النموذج الصيني» الاحترازية.

أجبر الفيروس أقوى الدول اقتصاديا على الاجتماع «افتراضيا» للخروج بحلول «واقعية»، وإعادة الحركة لعجلة الحياة.

تواصل «الكاوبوي» مع «التنين» للتفاهم والتعاون، وانخفضت نبرة الاتهامات الرسمية المتبادلة بين الطرفين، وكأن شيئا لم يكن. فالأخير أبدى استعداده لتقديم يد المساعده ليتماشى مع دور البطولة الذي لعبه مؤخرا في أكثر من مشهد، ونال استحسان «مريديه»، لدرجة التعامي عن سوء تعامله مع الأزمة في بداياتها والتستر على كثير من الحقائق.

نسي أو تناسى كثيرون طبيب العيون «لي ويليانج» الذي توفي بالمرض نفسه الذي أراد تجنيب العالم تبعات اندلاع وبائه. كان يسير حذو قرينه خريج جامعة كامبريدج «لين تيه وو»، صاحب الكمام الشهير الذي أنهى الطاعون في شمال الصين قبل أكثر من قرن من الزمان، إلا أن آلة تكميم الأفواه التي يبرع فيها «الشرق» كانت له بالمرصاد، وحرمته من أبسط حقوق الإنسان، «التعبير عن المخاوف».

أربكت الجائحة معظم الحكومات، ولم يتمكن معظمها -إلا ما ندر- من التعامل مع الفاجعة «بحزم» وحكمة «الملوك». فحتى الآن لا يوجد علاج للمرض الذي يفتك بالبشر، وأجمع الخبراء على أن الانعزال والتباعد الاجتماعي هما المفتاح إلى السيطرة على الوضع المتفاقم، متماهين مع نصيحة «نملة سليمان» التي نصحت بني جنسها بدخول مساكنهم لتجنب خطر «جند سليمان».

لم يغضب أعظم وأكثر ملوك الأرض «حزما» و«عزما» من قولها، بل تبسّم، إدراكا منه أن «حرية التعبير» «والشفافية» و«الحكمة»، قد تمثل أقوى الأسلحة لحفظ النوع واستمرار الحياة. فقط هم الملوك العظام من يصنعون التاريخ، فهنيئا لنا «بملكنا العظيم سلمان».