ليس للإنسانية قيمة مادية أو ثمن معياري يمكن به تقدير وزنها وقيمتها المعنوية الفعلية، والتي من خلالها يتحرك كبار القادة في العالم، وتنهض من أجلها الشعوب والمنظمات العالمية في سبيل تحقيق الأمن البشري والسلام العالمي بالتعاون الإنساني، كانت الإنسانية هي الشعلة التي أوقدت الدافعية لعقد قمة العشرين الاستثنائية، في ظروف جامحة ومحنة عالمية ألمّت بمعظم دول العالم وشعوبه، لتكسر شوكته وتوقظه من جبروته وعنفوانه، الذي طغت عليه المادية البحتة والتنافس الاقتصادي والعسكري في الاستحواذ على المنافع، لاحتكار أكبر قدر من المصالح السياسية والتجارية للدول الكبرى، على حساب الدول الأضعف اقتصادا أو الأقل نموا.

دعت مملكة الإنسانية لهذا اللقاء الدولي الاستثنائي، في حالة كونية مفجعة وواقع صحي طارئ، لم تعهده دول العالم المتقدم منذ عقود أو حتى لقرن من الزمان، اقتحم الوباء المجتمع البشري في غفوته، ليصحو من سكونه الظاهري وعافيته الشكلية وراحته الوهمية، التي كشفت عن خلل إنساني عشعش منذ عقود في الضمائر وفي السياسات الدولية، وأظهرت ضعفا في البنية التحتية الأساسية لدول تزهو بمقدراتها ومكانتها القيادية، لتكشف عن هشاشة داخلية وبصمات سلبية، لسياسات تعكس تسلط القوي على الضعيف لحقبة من الزمن، ولما يعانيه الضعيف من خذلان وانكسار وضياع لمستحقاته وهضم لمقدراته، في إطار منظومة عالمية يتزعم قيادتها الكبار، من الذين قُدِّر لهم أن يتحملوا المسؤولية الإنسانية لشعوب العالم ومقدراته.

تصدرت الدول ذات الاقتصاد الأكبر قمة القيادة العالمية، للإبحار بالسفينة الدولية نحو بر الأمان وصولا للشاطئ الإنساني الذي أضاعت مفاتيحه وتجاهلت سبله لعقود، في معترك السباق والتنافس نحو السيادة الأوحد والزعامة لمن يملك القوة المادية والعتاد المعرفي، على من لا يملك منها سوى الفتات أو يملك بعض من مقوماتها ولكن لا يحسن إدارتها واستثمارها، حتى اختل الميزان الإنساني العادل لصالح القوة الطاغية والتمكن المادي الأجوف من معانيه الإنسانية.

لا شك أننا نتفق على هول الجائحة وعظيم تأثيرها واتساع حجم انتشارها وتفاقم أضرارها، والتي فاجأت العالم المتقدم قبل النامي، وتضاءلت أمامها مختلف المعارف الإنسانية التي تراكمت نتائجها ومفرداتها على مدى عقود من الدراسة والبحث في العلوم المختلفة ذات الصلة بالجائحة، إلا أنها لم تُفلح رغم ذلك في الكبح من جماحها إلا بقدر محدود ومختلف من دولة لأخرى، وبما يتناسب مع حجم استعدادها المسبق وجاهزيتها المادية والإدارية والبشرية لاحتواء تلك المحنة الإنسانية.

ولكن وفي الآن ذاته وإن كنا اتفقنا على هذا الأثر الكارثي الذي ما زلنا نعيشه كشعوب ودول، فإننا لا بد أن نعترف بالجانب الإيجابي الكبير الذي تولد عن تلك الأزمة العالمية وما أفرزته تداعياتها، والذي حرّك أبعادا إنسانية كانت مفقودة رغم شكلياتها القائمة، وبعث لتعاون دولي متحفز لأهمية التعاضد الأممي والتشارك الإنساني لمصلحة الشعوب جميعها دون استثناء، بل استحوذت شعوب الدول الأقل نموا على ذلك الاهتمام والتوجه، باعتبار محدودية إمكاناتها في المقاومة والتصدي لهذا الوحش الكاسح الذي افترس الدول المتقدمة قبل النامية لأسباب مختلفة بتداعياته المؤثرة.

جائحة كورونا تصدرت موضوع القمة بتأثيراتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية على جميع دول العالم، فكانت سببا دافعا لتلك القمة الاستثنائية، التي التقى فيها قادة العالم الأهم مع منظماته الدولية الأساسية المعنية بصدد تلك الكارثة الطارئة، كمنظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، وغيرها من المنظمات الدولية المشاركة في مسؤولية احتواء المحنة، بمختلف تبعاتها السلبية على الدول والشعوب المختلفة.

أظهرت اهتمامات القمة الدولية في تفاصيل محتواها وقراراتها، مرتكزات أساسية تدعو المجتمع الدولي إلى الاهتمام بها وتدفعه للالتفات إلى ضرورة الأخذ بالتعاون كخيار إستراتيجي في سياساته الدولية، خاصة تلك المتعلقة بالإنسان والصحة العامة والكوادر الصحية وما يتصل بها من موارد بشرية وصناعات وأدوية وبنية تحتية ومنتجات تتطلبها الحاجة الإنسانية المتنامية للرعاية الصحية والاجتماعية المطلوبة، ويرتبط ذلك الاهتمام بزيادة الدعم المقدم للبحث العلمي وتطويره والتشارك في أدواته وتيسير تبادل منافعه ومنتجاته، التي ينعكس مردودها النفعي على صحة عامة ورخاء عالمي ورفاه إنساني عام، يستهدف تحقيق تنمية بشرية مستدامة تشمل جميع شعوب العالم دون استثناء أو تمييز.