عدم الالتزام بالتوصيات لمواجهة جائحة كورونا في بعض المجتمعات، يعني قلة المعرفة بخطورة المرض ومحدودية التجربة، والتصور لما سيكون عليه الوضع. ولهذا، تكون أحكام البعض وتصرفاتهم بسيطة جدا، مما نتج عنه ارتفاع حاد في عدد الضحايا، وانهيار الأنظمة الصحية، وعدم قدرتها على مواجهة الأعداد المتزايدة للمصابين.

يؤكد الصينيون -وخلال تجربتهم الفريدة- أن عدد الحالات التي كان متوقعا إصابتها بالفيروس في نهاية فبراير الماضي، كان سيصل إلى مليون حالة، وأنه تم تجنب هذه الكارثة بالتباعد الاجتماعي الذي فرضته الدولة بقوة، واستجاب له المجتمع، وأن هذا التباعد كان العامل الأول في خفض معدل تسجيل الحالات ليصل إلى الصفر.

في إيطاليا وإسبانيا كان الوضع مختلفا، لم يتم الالتزام بالتباعد المجتمعي منذ الظهور الأول للحالات، ففتك الفيروس بالمجتمع، وارتفع معدل الوفيات، وانهارت الخدمات الصحية، ومات عدد من المرضى لعدم الحصول على سرير في العناية المركزة.

في الصين -أيضا- كان إجراء الاختبار لكل حالة مشتبهة، وكان تنويم كل حالة مصابة، وساعدهم في ذلك توافر آلاف المصانع التي تنتج الكواشف والمستلزمات الطبية بشكل مستمر، وقدرتهم على بناء مستشفيات ضخمة لاستيعاب المصابين في وقت وجيز. بينما نجد النظام الصحي الأمريكي يعاني معاناة حقيقية في مواجهة الأعداد المتزايدة، بعد أن أصبحت أمريكا الدولة رقم واحد في أعداد المصابين. كانت نتائج تحاليل المصابين في الصين تتم خلال 4 ساعات، وذلك لتوافر الكواشف والمختبرات القادرة على إجراء التحاليل في وقت قياسي.

في الصين -تحديدا- كانت نسبة الإصابة بين الممارسين الصحيين الذين ذهبوا إلى ووهان لمواجهة الجائحة منخفضة جدا، وذلك للتشدد بين الممارسين الصحيين في ارتداء وسائل الحماية الشخصية، التي كانت متوافرة خلال الإنتاج المحلي.

الآن، ومع ازدياد الحالات على مستوى العالم، تشير إحصاءات المركز الوطني للأوبئة بأمريكا، إلى أن مليونين إلى 10 ملايين، قد يحتاجون دخول المستشفيات، و5 % من هذا العدد سيحتاجون إلى أَسِرّة في العناية المركزة، مع العلم بأنه يوجد حاليا 100 ألف سرير عناية مركزة، ونسبة إشغالها حاليا 80 %!.

مستشفيات العالم وأنظمة الرعاية الصحية تواجه تحدي توافر الأَسِرة، يجب عليها الاستمرار في تقديم الخدمات الصحية للمرضى الحاليين والمصابين بالأمراض الأخرى. جميع الأنظمة الصحية في العالم تعوّل على انحناء المنحنى لتخفيف الضغط على الخدمات الصحية، ولكن ماذا إذا استمر المنحنى في الارتفاع؟.

من التحديات الأخرى مشكلات الإمداد بالأجهزة والمستلزمات الطبية وأدوات التعقيم. فالمصانع العالمية لم تعد قادرة على تحقيق طلبات المستهلكين، وهذا خطر يواجه دول العالم بشكل عام، ودول العالم الثالث بشكل خاص، وذلك لعدم توافر تلك المصانع واعتمادها على الاستيراد بشكل كبير.

كذلك تحدي القوى العاملة وقلة أعدادهم وتخوفهم، فهناك أكثر من 3300 عامل صحيّ أصيبوا بالفيروس، وهناك 18 حالة وفاة بين التمريض والأطباء، ليست بسبب الفيروس فقط، وإنما بسبب السكتة القلبية وضغوط العمل.

جميع دول العالم لا تعلم متى سينتهي الوباء، وينهار اقتصاد الدول بشكل مخيف، ومن هنا، كان لا بد من الاستعداد الجيد لفترة طويلة، وتوفير جميع متطلبات الرعاية الصحية، وإيجاد البدائل المناسبة لكل نقص.

أخيرا، كل هذه المخاطر والتحديات يمكن تخفيفها بالتباعد الاجتماعي.