(1)

أسوأ كلمة انتشرت في الفترة الماضية بالمجتمع السعودي بعد كورنا هي كلمة (المشاهير).

(2)

تساءل أحدهم: من أين أتى هؤلاء المشاهير؟ ليرد عليه أحد المثقفين بقوله: إنهم ذلك الجزء المتقشر، من تلك الطبقة الطارئة التي تكونت على جسم المجتمع في ظل ظروف غامضة تستحق الدراسة والتحليل. ثم يسكت، وعندما التقط أنفاسه وأراد أن يسترسل. قاطعه إعلامي غاضب: رجاءً أبعدوهم عن طريقنا، فقد شوّشوا على الناس صورتنا البهية التي ننقل بها رسالتنا المثالية. وفي اتفاق شبه ضمني بأن القطاع الخاص هو أحد من بنى هذا (المسخ المشوه)، على حد تعبير أحد المشتغلين بالفلسفة، والذي يمسك بقلمه وورقته في طرف المجلس. التفت الجميع إلى الرجل الضخم الأنيق الجالس في الصدر، والذي ما إن بدأت حفلة الشتائم حتى انكب على جواله يتابع أعماله وأرباحه. وقبل أن ينفض الجمع، صرخ صوت جاء من الخارج، صوت رجل لا يعرف من هو: إنهم أبناؤكم، فلا تتهربوا من مسؤولياتكم تجاه أنفسكم، أنتم من أوجدهم، وعليكم تحمل نتائجهم.

(3)

أحد الباحثين في مكتبته الصغيرة بدأ بحثه عن هذا الموضوع. فكتب بعد أن تأمل مطولاً هذا المصطلح وما يندرج تحته من مفاهيم، وبعد أن راجع عددا من الأدبيات: (إن صور المشاهير بأجسادهم الممشوقة وأناقتهم المفرطة، أصبحت تمثل خطرا على الشباب والفتيات. فتلك الصور يمكن أن تكون معدّلة غالبا، حيث إنها تفرض الأجسام بشكل مثالي وفي أماكن عجيبة ومدهشة، وهي بالتالي تصبح ضارة على المجتمع، لأنها تمثل وسيلة ضغط على فئة الشباب للوصول إلى معايير مرتفعة لا يستطيعون كأفراد أن يصلوا إليها)، وقبل أن يسترسل الباحث في كتابة بحثه، جاءه صوت والده الشيخ الحكيم والكبير في العمر، ليقطع عليه متعة الإبحار في الكتابة. ومن أجل عمل مقارنة بين جيلين فقد سأل الباحث الشاب والده عمن يعرف من المشاهير، ومن هو المشهور الذي أثّر به كثيرا. وبعد فترة صمت طويلة، رفع الشيخ رأسه ليأتي صوته وفيه عَبقُ حزن لم يستطع كتمانه: أكبر من تأثرت به من المشاهير، توفي قبل ثلاثين عاما، إنه رجل في الحي المجاور، اشتهر بقضاء حوائج الناس، كما اشتهر بقهوته الخولانية بعد صلاة كل فجر.

(4)

في الطرف الآخر من المدينة، سئل إمام جامع تصدعت جدرانه وبهتت ألوانه، عن المشاهير، فقال بعد أن أطرق عينيه للأرض ونزلت دمعة منها: (اللهم اجعلنا من المجهولين في الأرض، المعروفين في السماء).