أحد أفضل الوسائل لصناعة القرارات الإستراتيجية وقت الأزمات، هو فنّ بناء السيناريوهات المحتملة وغير المحتملة، والتعامل مع كل مسار من هذه المسارات بجدية متناهية. وعلى الرغم من ظهور هذا الأسلوب في الستينات الميلادية من قِبل العالِم «kahn»، إبان عمله في شركة راند «RAND»، فإن هذا الأسلوب يعدّ من الأساليب الناجحة، لأنه يستخدم لرسم الصورة المحتملة لظاهرة أو أزمة معينة، ويمتاز بالشمول، ويأخذ في الحسبان جميع العوامل المؤثرة في الأزمات، سواء كانت تلك العوامل قائمة أو متوقعة، فهو يهتم بالمتغيرات التي حدثت وتلك المتوقع حدوثها، لتشكيل الصورالمحتملة للمستقبل، ولكن بخيارات عدة. هذه الإستراتيجية تهدف -أيضا- إلى استكشاف النتائج والآثار المحتملة للخيارات والسياسات، وزيادة الثقة في خيارات المستقبل، ودراسة العواقب المحتملة لعدم اليقين من المستقبل. لقد وجدنا هذه الإستراتيجية قد تم تطبيقها بنجاح في وزارة الصحة، متمثلة في الإجراءات التي قامت بها، والتي منها تصريح وزير الصحة، إذ وظّف بناء السيناريوهات المحتملة، خلال خطوات عدة في هذه الأزمة، مستندا إلى الدراسات العلمية الـ4 التي ذكرها، وقامت عليها كوادر سعودية، وخلصت إلى نتائج معتمده على الكيف والكم، وتحديد بؤرة الاهتمام والعوامل المؤثرة. فأوضح وزير الصحة، أن «المرحلة المقبلة ستكون أكثر صعوبة على المستوى العالمي»، وبوصفنا جزءا من هذا العالم الذي يبذل جهودا وإجراءات غير مسبوقة لمكافحة جائحة كورونا، بيّن «أن المملكة كانت سباقة عالميا في اتخاذ إجراءات احترازية صارمة، قبل أن يبدأ كثير من دول العالم اتخاذ أي إجراءات»، وهذه الخطوة الأولى من خطوات بناء السيناريوهات، وهو إيضاح حجم المشكلة ومدى الاستعدادات لها. وكمرحلة ثانية، قامت الوزارة بتقييم الموقف، ورصد الاتجاهات والمؤشرات الماضية، والحالية، العالمية والإقليمية، الكمية والكيفية، خلال الخارطة الجغرافية، والنسب الإحصائية، والتوزيعات المكانية، والهدف من ذلك زيادة الوعي للمواطن بحجم الأزمة التي تمرّ بها المملكة، للإبقاء على سلامة مواطنيها وقاطنيها. تقويم الموقف لم يقتصر على عرض الإحصاءات والنسب، بل أوضح الأسباب الكامنة وراء الانتشار، وما تحمل في ثناياها من سلبيات، فبيّن أنه -للأسف- وجد أن بعض أفراد المجتمع لم يطبق شعار «كلنا مسؤول»، ولم يأخذوا التعامل مع خطورة الوباء بالجدية الكافية، كما أنهم لم يلتزموا بما يصدر من تحذيرات تشدد على خطورة المخالطة والتجمعات، وأن معدل الحركة المرورية خلال الـ24 ساعة، ما يزال مرتفعا جدا، إذ إن 46% من إجمالي الحركة المرورية في الأيام الاعتيادية، وهذا لا يحقق الهدف المطلوب. أما الخطوة الثالثة، فقد أوضحها الوزير بكل شفافية، وقام ببناء المشهد خلال البدائل المستقبلية، والتي تستند إلى الإحصاءات والدراسات والمشهد الذي لا أحد يرغب في حدوثه. فقد أشارات الدراسة إلى أنه قد تراوح أعداد الإصابات خلال الأسابيع القليلة القادمة بين 10 آلاف -في حدها الأدنى- وصولا إلى 200 ألف إصابة، في حدها الأعلى. فالبدائل خلال هذه الخطوة تنقسم إلى جزأين: الأول: هو دور يقوم به المسؤولون تجاه وطنهم ومواطنيهم، وقد قامت به الصحة وجميع الوزارات والهيئات الداعمة لها. الثاني: يتحمله المواطنون تجاه أنفسهم وأهلهيم ودولتهم، فبعد عرض النتائج والإحصاءات والاحتمالات والإمكانات، وتمكين الجماهير من التفكير في كل الأمور المتعلقة بالمستقبل، ومعرفة مستوى الوباء وخطورته، وجب على المواطن والمقيم، جميعا، أن يكونوا على قدر مستوى المسؤولية والثقة، وأن يشاركوا بالمسؤولية تجاه أنفسهم والوطن.