تزوج ذلك الشاب وأكمل نصف دينه، وبكل حماس واندفاع، لأنه كان يعتقد أن الزواج بأكمله عبارة عن مشاهد متكررة، كل يوم من فيلم «التايتانيك» مثلا، وأن الحياة الزوجية كلها نومة هانئة وأحضان دافئة، «ورائحة رذاذ المطر تعطر المكان، ولا ينير تلك الغرفة إلا لمعة البرق، ولا يوقظ هدوءها إلا سقوط الثلوج الناعمة على السطح».

فوجئ صاحبنا بأن المشاهد التي عايشها، تحولت تدريجيا حتى أصبحت مقاطع من فيلم «رجب فوق صفيح ساخن»، وأن الحياة الزوجية ليست لعبة بلاي ستيشن «رأسمالها» اضغط دائرة للعودة، بل فوجئ بأنها التزام وعهد بالإخلاص في السراء والضراء. وللأسف، قرر صاحبنا اختيار أن «يضغط دائرة للخروج من اللعبة».

وقبل تنفيذ «مغادرة مجموعة المتزوجين» بأيام، وخلال مرافقته والده الذي كان يملك «مؤسسة للمقاولات العامة بما فيها البناء»، إذا بالمهندسين ومشرفي البناء يتواصلون مع الابن، الذي يعمل «مهندسا معماريا» -«كل شوية»- ليخبروه بمشكلة جديدة تتطلب حضوره إلى الموقع، وبعد أن ضجر هذا الابن من كثرة الاتصالات، قال لوالده بعد إنهاء المكالمات، «لو نهدم البناية كان أريح لنا من هذي المشاكل كلها».

قاطعه والده: إن كنت أخذت شهادتك بالورقة والقلم وقليل من التدريب، وتعتقد أن الحياة الواقعية كما رسمها لك المنهج الدراسي، والذي مهما كان توسعه وإبحاره في علوم الهندسة، فلن يطلعك على الصورة كاملة. لقد مارسنا البناء على أرض الواقع، حتى أصبحنا نستشعر الصادق من الكاذب من المقاولين والمنفذين، من أول خطوة يخطوها نحو بنايته. يا بني، وبما أنك أوشكت على الطلاق «الذي هو أبغض الحلال عند الله»، فقد تعلمت أن بناء الحياة الزوجية أشبه ببناء الأبراج، فكلاهما يتضح مدى طولهما من طبيعة وعمق أساساتهما، وعلى قدر ما يريد الشخص أن يدوم صمود بنايته، على قدر ما يضع لها أساسات متينة، تقف صامدة عليها في وجه المتغيرات المحيطة بها، مهما كانت قساوتها، وعلى المقاول الجيد توقع كل الظروف بما فيها غير الممكن حدوثه حاليا، وقد يمكن حدوثه في المستقبل القريب أو البعيد. إنني ووالدتك تعلمنا أننا كل يوم في حياتنا الزوجية، كأننا نبني طابقا في برج طويل بطول أيامنا التي سنقضيها معا، لنعيش في هذا البرج ونورّثه لمن يرثنا، والمشكلة أن برجنا هذا يؤثر ويتأثر بما حولنا من أبراج، وقد نأخذ طوابق من أبراج حولنا، حتى وإن كانت من أبراج والدينا وندخلها عنوة في بنايتنا، وهي غير متناسقة مع تصميم بنايتنا.

لقد تعلمنا كذلك أن كل مشكلة وقعنا فيها في طابق ما، علينا أن نصلحها فورا مهما كانت التضحيات، ولا يجلس كلانا ينتظر الآخر، حتى لا تؤثر في الطابق الذي سنبنيه صباح اليوم التالي، وبالتأكيد فإننا ما دمنا نتعلم من أخطائنا التي نكتبها بالقلم الرصاص حتى «لا ننساها»، ونكون عرضة للوقوع فيها مجددا، ولكن علينا أن نمحوها فور إتقان حلّها، حتى لا تبقى عقدة تؤثر في سلامة بنائنا. يا بني، إنك جزء من بنايتي هذه الطويلة التي بنيتها أنا ووالدتك، حتى أتى اليوم الذي قررت أنت وزوجتك أن تشيّدا بنايتكما الخاصة، ولكنكما تريدان بناية جاهزة تسكنانها بلا عناء، ولكن هذا دليل على أنها بنيت على أهواء غير الساكنين، فلا تأتي يوما تلوم المخطط لأنه لم يكن كما تريد أنت ومن يسكن معك. يا بني، إن بناء الحياة الزوجية أحوج لأن تكون مهندسا بها أكثر من هندسة المعمار، فلولا عمار الزواج لما قام عمار المباني. باختصار يا بني: حتى تلدك أمك، فقد بدأت العمل في «المقاولات العامة وبناء الحياة الزوجية».