على مدار التاريخ كان الإنسان قادرا على التكيف مع الظروف والأزمات التي تنشأ، تكون الصدمة مع بداية كل أزمة ولكن سرعان ما تستطيع النفس البشرية التأقلم والتعايش مع تلك الظروف، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو صحية أو كوارث طبيعية أو حروبا. والآن عدة أشهر مضت وما زالت أزمة كورونا تشكل تهديدا للمجتمعات، فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الوباء لم يصل ذروته بعد، رغم تحفظ العديد من البلدان على أداء منظمة الصحة العالمية لأزمة كورونا، والذي لم يكن موفقا، مما أدى إلى نسب عالية من الإصابات والوفيات.

فهل يكسر شهر رمضان جموح فيروس كورونا؟

قدرة المجتمعات على التعامل مع أزمة كورونا لم تكن مقترنة بقوة تلك الدول ولا بتطورها، فأوروبا مثلا نجد أن أضعف دولة بالقارة هي من أدارت أزمة كورونا بثقة عالية، وبخسائر بسيطة وبقيادة عالم أوبئة يدعى تسوتريس تسودراس والذي دعا من شهر فبراير الماضي إلى حظر وتباعد اجتماعي شمل كل دور العبادة والمسارح والمدارس والمطاعم، واستجابت له الحكومة والشعب، فخرجت اليونان بأقل الخسائر رغم قربها الجغرافي من إيطاليا.

وحاليا في الأفق بوادر إيجابية قد تعني انفراجا لأزمة كورونا في القريب العاجل، فقد أعلنت ألمانيا عن عودة الدراسة في 4 مايو المقبل، ويدرس اتحاد الكرة الإيطالي حاليا عودة مباريات كرة القدم، ونجد دولا خففت من إجراءات الحظر الجوي بشكل كامل، وكذلك التباعد الاجتماعي، ورغم أن هذه الإجراءات قد يترتب عليها عودة الفيروس ليضرب مجددا بشراسة، إلا أن عودة بعض الأنشطة الطبيعية لتلك الدول قد تعطي انطباعا بانخفاض قوة الوباء. في الأردن مثلا نجح التباعد الاجتماعي في تسجيل حالات صفرية لبضعة أيام، وأسهم ذلك لاحقا في تخفيف إجراءات الحجر. أيضا عودة الحياة الطبيعية لووهان وبعض دول شرق آسيا قد تعطي انطباعا أن موجة العدوى تنحسر، وأن المجتمعات تتعافى. وعلينا ألا ننسى أن المعدل العام للوفيات ينخفض في معظم الدول، وأن معدل التعافي ارتفع ليتجاوز نصف المليون.

في بلاد العرب والمسلمين يشكل شهر رمضان طبيعة دينية لمجتمعات ترتبط بسلوكيات وعادات وعلاقات غير تلك التي تكون موجودة في معظم أوقات السنة، ويشعر غالبية المسلمين بالحزن والأسى، وهم سيفقدون تلك الروحانية مع اقتراب حلول الشهر العظيم، ولكن في المقابل فإن شهر رمضان قد يكون حلا لمواجهة كورونا، فطبيعة الناس في نهار رمضان هي عدم الخروج من البيت، مما يعني تباعدا اجتماعيا طوعيا، بينما في المساء سيكون هناك تباعد إجباري تفرضه الأنظمة، ومع هذا التباعد الطوعي والإجباري فقد تكون المحصلة انخفاضا ملحوظا في تسجيل الحالات، وانحسارا لموجة الإصابات ونزولا للمنحنى.

أيضا مما لا شك فيه فإن دولا عديدة ومناطق ومجتمعات كان معدل الإصابة فيها مرتفعا جدا، مما شكل ما يسمى بمناعة القطيع، والذي يعني أن غالبية المجتمع أصيبوا بالمرض وتكونت لديهم مناعة، وبالتالي تجاوزوا المرحلة الأكثر شراسة، ولعل بعض الدول في أوروبا مثال حي لهذه الظاهرة. ورغم الأصوات التي تقول إنه لا علاقة بين الفيروس وارتفاع درجة الحرارة، فإن الملاحظات السابقة لفيروس كورونا الشرق أوسطي وأنفلونزا الخنازير والسارس وأنفلونزا الطيور، رصدت انخفاض معدل الإصابة بتلك الأمراض مع حرارة الصيف اللاهب.