يلاحظ الراصد والمتابع: أن أهل الشرور والفتن والتهييج لما رأوا أن ‏أدلة الشريعة تقف سدا منيعا أمام منابذتهم ومنازعتهم وغوغائيتهم ‏وتهييجهم ومعارضتهم، وأن أهل الإسلام لا يقبلون أي كلام وفعل ‏يخالف الشريعة، لجؤوا إلى استخدام مصطلحات شرعية لتكون غطاء ‏لممارساتهم الإجرامية، وليمرروا من خلالها باطلهم، لأن بعض الناس ‏ينبهر بالشعارات، ولا ينظر إلى المضمون، فإذا كان العنوان شرعيا، ‏أو المقال مموهاً بزخرف من القول، والعبارات المستحسنة، فإنهم ‏لعدم بصيرتهم يقبلونه وينخدعون به، وإن كان في حقيقته مخالفا ‏للشريعة.‏

وأما ألباء الرجال من أهل العلم والعقل، فإنهم لا يقبلون الباطل ولو ‏كُسي بعبارات، أرق من الحرير.‏

فقديما استخدم المعتزلة لفظ: التوحيد كأصل من أصولهم الخمسة، ‏وهو لفظ جاذب، لكن عندما تدخل في المضمون ترى أنهم يعنون ‏بـ«التوحيد» نفي الصفات، لكن أتوا بهذا المصطلح ليمرروا باطلهم ‏من خلاله.‏

وفي زماننا: استخدم أهل الباطل، لفظا شرعيا وهو «الجهاد» أو ‏‏«الجهاد السلمي» كما يقولون، ليمرروا من خلاله على الجهال فعلهم ‏الباطل المخالف للكتاب والسنة، وهو منازعة ولي الأمر، والتهييج ‏والإثارة عليه، وعدم السمع والطاعة بالمعروف، ويقولون: نحن ‏قصدنا المطالبة بالحقوق والعدل بالمال وغيره، وهم في ذلك صورة ‏طبق الأصل لما فعله عبدالله بن سبأ وجماعته، ضد ولي الأمر عثمان ‏بن عفان، رضي الله عنه، فقد قالوا نريد الحقوق والعدل في توزيع ‏المال، وانخدع بهم من انخدع، فحصلت بسببهم فتنة عظيمة، حتى ‏قتلوا أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه- ثم نهبوا المال، وقالوا: ‏حلّ لنا دمه، أفلا يحل لنا المال؟ وقد كانوا من قبل ينادون بالمحافظة ‏على المال العام.‏

وهذا هو مسلك الخوارج سواء بسواء، ولهذا لما أتى رجل من ‏الخوارج لحسن البصري فقال ما تقول في الخوارج؟

قالوا: هم أصحاب دنيا، قال ومن أين قلت وأحدهم يمشي في الرمح ‏حتى ينكسر فيه، ويخرج من أهله وولده؟ قال: حدثني عن السلطان ‏أيمنعك عن إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج والعمرة؟ قال: لا، قال ‏فأراه إنما منعك الدنيا فقاتلته عليها.‏

فهم يريدون الدنيا، أي: الملك والحكم والمال، لكنهم يُلبِّسون على ‏الناس بشعاراتهم الحقوقية والعدلية الكاذبة.‏

وبعضهم: يستدل على بذاءته وإثارته، بحديث (أفضل الجهاد كلمة ‏حق عند سلطان جائر)، وليس لهم في ذلك حجة، وذلك أنهم هم ‏الجائرون لأنهم لا يعدلون في قولهم، فيرون الإمام مهما قدم من خدمة ‏للإسلام والمسلمين جائرا، ويرون أنفسهم مهما قدموا من صخب ‏ومنازعة وفتن وشرور أنهم عدول، وهذا الإعجاب بالنفس والطعن ‏بالغير، هو مسلك الخوارج الذين رأوا أنهم أعلم من علي بن أبي ‏طالب وابن عباس وغيرهما من الصحابة، رضي الله عنهم، في تفسير ‏قوله تعالى (إن الحكم إلا لله)، فهم معجبون بأنفسهم، متنقصون ‏لغيرهم، وهذا هو مسلك ورثتهم في زماننا.‏

ثم إنه ليس لهم حجة في الحديث، لأن الحديث يقول (عند سلطان) ‏عنده، وليس في الشوارع والمجالس والتجمعات، بل يذهب إليه ‏ويقول ما شاء، أو يكتب له خطابا إن لم يتمكن من الذهاب إليه، ‏فالحديث الذي استدلوا به هو دليل عليهم، والواقع أنهم لا يهمهم ‏النصح من قريب ولا بعيد، هم يريدون الإثارة والشر ليصلوا إلى ‏مآربهم في الوصول إلى الكرسي، ولذلك صرح أحدهم لقناة فضائية ‏فقال (كانت رسائلنا للحكام للإثارة)، لأنهم يبدؤون بتوزيعها على ‏الناس قبل أن يرسلوها للحاكم.‏

إنني أتعجب: كيف يُسمون المعارضة والمنازعة لولي الأمر المنهي ‏عنها شرعاً كما في حديث (وألا ننازع الأمر أهله) كيف يُسمونها ‏جهادا؟ ما هذا الاستخفاف بالشريعة؟! ‏

ومما يدل على ضلالهم كذلك أن كل خائب ومجرم يمدهم في الشر ‏والغي عبر كل الوسائل، وقد قال الله تعالى (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ‏الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُون)، ولكن ثقتنا بالله بأن كل ما يفعلونه هو زبد ‏سيذهب جفاء، وأن مكرهم السيئ سيحيق بهم، قال تعالى:(ولا يحيق ‏المكر السيئ إلا بأهله).‏

إن المملكة العربية السعودية هي دولة الإسلام، تخدم الحرمين، وتطبع ‏المصحف الشريف والسنة النبوية، وتعين على نوائب الحق، وتراعي ‏حقوق الإنسان وفي أزمة كورونا التي يعيشها العالَم اليوم رأى الناس ‏كلهم أنه لا نظير للسعودية وقيادتها في مراعاة حقوق الإنسان، ولقد ‏رأيتُ بنفسي في سجون أمن الدولة مستشفيات ضخمة، تضم أحدث ‏الأجهزة، وأمهر الأطباء، وتضم كذلك صيدليات كبيرة، وغرفاً لخلوة ‏النزيل بزوجته، وأماكن تعليمية وترفيهية، وخدمات متميزة، فهل ‏يوجد لذلك نظير في أي دولة في العالَم؟ ‏

ولكن مع الأسف هناك من أعماه الحقد والهوى، فصار يفتري الكذب، ‏ويقول منكرا من القول وزورا، وهم بذلك يضرون أنفسهم، فالبغي ‏عاقبته وخيمة قال تعالى:(أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم).‏

وقد تكفل الله بنصر من بُغِي عليه بعد استيفاء حقه فقال تعالى: (ذَلِكَ ‏ومَن عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْه لينصرنه الله)، فإذا كان الله ‏قد ضمن له النصر مع أنه قد استوفى حقَّه أولاً، فكيف بمن لم يستوفِ ‏شيئًا من حقِّه، ولذلك فإن دولتنا المملكة العربية السعودية منصورة، ‏ولن يخزيها الله، ما دامت -بحمد الله- على هذا الخير العميم من ‏التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، وكل من ناوأها منذ مئات السنين إلى ‏يومنا هذا أحاطت به خطيئته، فكان عاقبة أمره خُسرا.‏