لم يكن العالم عبر تاريخه أكثر حاجة إلى استخدام العقول والعلم والخبرات أكثر من حاجته هذه الأيام. إن أزمة كورونا تسببت في تبدل الأوضاع وتغير الأحوال على نحو لم تألفه البشرية ولم يعرفه العالم الحديث. إن الآثار التي سببها كورونا تتطلب تغيير طريقة التفكير وصياغة الأولويات بما يتناسب مع المخاطر التي تهدد البشرية وتفتك بالمصالح. واليوم نلمس أن العلم والأخلاق والسلوك هم المثلث القادر على إنقاذ البشرية من هذا الوباء. وذلك لأن العلم والبحث العلمي هو أحد المؤشرات الدالة على تقدم المجتمعات أو تخلفها. وللحصول على هذا المؤشر المهم لا بد من الارتقاء بالبيئة التعليمية. إن كثيرا من الدول عندما فتك بها المرض لجأت إلى مواردها الذاتية من أجل الإصلاح وتقليل الخطر، وهذا ما قامت به جامعة أكسفورد والتي بعثت أملا للبشرية في إنتاج أول لقاح (تحت التجارب الإكلينيكية) قد يكون حلا لهذا الوباء القاتل. كذلك نشهد تنافسا علميا مثيرا في مختبرات أستراليا والصين وأمريكا وألمانيا، للوصول إلى علاج أو لقاح فاعل يحد من جموح الفيروس وينقذ البشرية من هذا الخطر.

وفي المقابل نجد هناك حربا وتبادل اتهامات بين دول أوروبية وأمريكية مع الصين، فقد طالبت ألمانيا الصين بتعويضات ضخمة جراء الدمار الذي خلفه الفيروس على الصعيد البشري والاقتصادي، كذلك ترى أمريكا أن الصين هي المتسببة في الكارثة التي حلت بالعالم. ورغم اتفاق كثير أن انتشار الفيروس في الصين لم يكل فعلا متعمدا، إلا أن كثيرا يتحدث عن الأخلاقيات التي تبعت ظهور الحالات الأولى. فمعظم دول العالم ترى أن الصين لم تكن شفافة في مشاركة المعلومات والبيانات عن المرض، رغم جهودها وتميزها في محاربة المرض داخل حدودها. ويتفق الجميع أن عدم مشاركة تلك المعلومات في وقت مبكر وعدم قدرة منظمة الصحة العالمية على استبصار الخطر الحقيقي للفيروس أسهم في تأخر جميع دول العالم لمواجهة المرض، مما ترتب عليه خسائر فادحة ستظل تلقي بآثارها على المجتمعات لسنوات قادمة. ويعتقد البعض أنه مع ظهور الحالات الأولى وانتشار المرض في الصين لم تقم الحكومة الصينية بمنع السفر من وإلى مطاراتها. وتقدر بعض الإحصائيات أن ما يقارب 8 ملايين مسافر خلال شهر يناير وفبراير دخلوا أو خرجوا من الصين، مما قد يكون السبب الرئيسي في وصول المرض إلى معظم دول العالم. إن الواجب الأخلاقي في مثل هذه الحالات يحتم المصداقية والشفافية في تبادل المعلومات وفي العمل جنبا إلى جنب لحماية البشرية من المخاطر المهددة لوجودها. إن غياب المبادئ والقيم هو أمر كارثي، لا سيما عندما يتعلق بمواجهة الكوارث والمخاطر. إن أسوأ المخاطر التي تهدد وجودنا البشري عندما نجد أن مصالحنا وجشعنا تقتات على أرواحنا وأخلاقنا ومبادئنا.

إن المرحلة المقبلة تحتم علينا أن لا نتوقف عند الاكتفاء بضروريات الحياة، وأن نمضي قدما في سبيل الحصول على مزيد من التقدم والتنوع والتعلم، وأن نعمل على تنمية وعينا بتعقيدات العالم المعاصر، وأن نجعل أبناءنا وبناتنا يهتمون بالمنهج والبحث العلمي، والذي سيفتح آفاقا جديدة في التقدم الحضاري وفي مواجهة الأخطار المحدقة بأي مجتمع والتغلب عليها.