يسهم حجمُ إدراك المسؤولية وعمق استشعار قيمتها، ومدى احترامها من الأفراد والجماعات، في معالجة كثير من الإشكالات التي تواجه المجتمعات البشرية بمختلف ما تجده من تحديات، وما تتعرض له من أزمات ومحن، سواء كانت طارئة في حدوثها ومؤقتة، أم عميقة في تأثيرها لطول فترة وجودها.

وتعدّ درجة الوعي الاجتماعي والمستوى الثقافي للأفراد، القاعدتين الأساسيتين اللتين تسهمان في بناء ذلك الاستشعار للمسؤولية، وذلك يرتبط بدرجة التعليم إلى حدّ ما كعامل رئيس، إضافة إلى ما يتلقاه المجتمع بمختلف أطيافه من وسائل توعوية متباينة في أدواتها وآلياتها ومرجعيتها المسؤولة، عما تتحمل إدارته من أفراد وجماعات تنضوي تحت مظلتها.

في ضوء الأزمة الصحية التي ما زلنا نعيش وطأتها ومحاذيرها المفروضة، وفي ظل جهود رسمية منظمة وحثيثة بُذلت وما زالت تُبذل، وفي إطار استشراف مدروس ومساع كريمة للحد من تفشي وباء كورونا، بحصره والعمل على انحسار أعداد المصابين وتقليص المتوفين منه، فإن مسؤولية الجهات المعنية رسميا، وبعد رفع منع التجوال لساعات معلنة في معظم المناطق، فإن المسؤولية تكون قد انتقلت تدريجيا من دورها الريادي والقيادي في إدارة الأزمة وتحدياتها، إلى دورها التشاركي مع المجتمع بأفراده ومؤسساته، ليسهموا في استمرار نجاح النموذج الوطني، الذي قدم التسهيلات والاحترازات والخدمات المصاحبة كافة، للحد من الوباء واحتوائه في أضيق نطاق، وقدم صورة مشرفة في إدارة الأزمات على مستوى العالم.

لقد كان لمبادرة بعض الدول المتقدمة، بالأخذ بذلك المنحى التشاركي في تحمل مسؤولية الجائحة الصحية، أساسا يستند إلى مرتكزات بنيوية، تُعوّل على وعي مجتمعي يسهم في تحقيق أمن صحي واجتماعي شامل، وبما يمكّن من استمرار الحياة الطبيعية قدر الإمكان، ويحدّ من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الحظر الكامل، والذي ينعكس سلبا على التنمية.

مما لا شك فيه، أن جميع طبقات المجتمع وشرائحه التي خضعت لمنع التجوال، لامست أهمية إجرائه كوسيلة احترازية للأمن الصحي وحفظ السلامة المجتمعية، كما لامست إيجابيات وسلبيات منع التجوال لفترة لا باس بها، أتاحت لنا جميعا استشعار حجم النعم التي كنا نعيشها قبل المنع في جميع مناحي حياتنا، كما تمكنا خلالها من الاقتراب أكثر من أسرتنا الصغيرة، والتعرف على كثير من دواخل بيوتنا التي أشغلتنا ظروف الحياة عن متابعتها أو الاستمتاع بوجودها.

المسؤولية عامة وشاملة، فردية ومجتمعية ومؤسسية.

الجميع مسؤولون عن إنجاح الجهود الوطنية في تحقيق أمننا الصحي، جميعنا سنجني ثمار ذلك النجاح بمحاصرة الوباء والقضاء عليه تماما في جميع أرجاء الوطن، وإلا فإننا جميعا من سيتضرر من تبعاته وآثاره الوخيمة المدمرة لجميع مكتسباتنا الصحية والاجتماعية والاقتصادية، التي نسعى إلى نمائها ورعايتها للقفز بها إلى الصدارة التي نستحقها، والتي لن تكون إلا بالعمل الجاد الواعي، والتعاون البناء والتكاتف لمصلحة الوطن والمواطنين.

ثقة ملكية مُنحت لسكان السعودية جميعهم، من مواطنين ومقيمين، جميعهم يستظلون تحت سماء الوطن، وينعمون برعايته وحصانته وخدماته وأمنه الفريد، فهل نثبت أننا أهل لها باحترامنا المحظورات؟، وابتعادنا عن جميع وسائل ومواطن العدوى، بسلوكيات صحية ووعي، يستوعب حجم المعاناة وقوة تأثير العارض الذي ألم بالبشرية جمعاء، وإلا سنضطر أسفا للعودة -لا سمح الله- إلى المربع الأول من الجهود والمنع المطلوب، فهل نُقدر حجم المسؤولية التي ستترجم مستوى الوعي والإدراك لدينا؟!

استشعار المسؤولية الوطنية على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسسات، في المشاركة والتعاون مع الجهات المسؤولة عن تحقيق أهداف الوطن وتطلعاته، لا يقتصر على حالة كورونا والطارئ الصحي، وإنما يشمل المحافظة على جميع مقدراتنا والإسهام في جميع ما يعزز من بناء هذا الوطن ونهضته وارتقائه، كلنا شركاء في التنمية بجميع مجالاتها، نحن من نحصد خيراتها وثمارها، ونحن من يتأثر بتعثرها وكسادها، لن نقطف ثمارنا اليانعة إلا باستشعار تلك المسؤولية بأمانة وصدق وإخلاص في الدفاع عن كل مستحقاتنا، وفي الحفاظ على كل مكتسباتنا التي أسهمنا جميعنا في وجودها.