ما أعظم دين الإسلام، فهو لكماله تبيان لكل شيء، وصالح لكل زمان ومكان، لأنه من عند الله العليم بما يصلح خلقه {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.

قال أبوذر رضي الله عنه: (لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما) يعني: بيَّن كل شيء، وقد قال رجل مشرك لسمان الفارسي رضي الله عنه: عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى الْخِرَاءَة؟ فقال سلمان رضي الله عنه: أَجَل، لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أوَ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِاليَمِينَ، أَوْ أَنْ نسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَن نَسْتَنْجِيَ برجيع أَو بعظم)، والهدي النبوي فيه الخير وما يصلح الناس في كل شيء، ومن ذلك طرائق التعليم.

وأذكر قبل مدة من الزمن أني حضرت برنامجا تدريبيا مدته فصل دراسي في «صناعة المناهج والأساليب التربوية»، وكان الزملاء يعرضون أمام المدرب في كل لقاء عروضات مرئية عن أحدث الأساليب التربوية التي درسوها في الخارج، فلما جاء دوري عرضت عرضا بعنوان (هدي النبي عليه الصلاة والسلام في التربية والتعليم)، ذكرت فيه أمثلة كثيرة من أساليب النبي -عليه الصلاة والسلام- في التربية والتعليم ومنها: الجمع بين التعليم الفردي والجماعي (التعلم التعاوني)، وتدريب المتعلمين على معرفة العلة ومناط الحكم، وطريقة السؤال وأدبه، وكيفية الاستنباط وإعمال الفكر والعقل، ومراعاة الفروق الفردية، وأساليب التحفيز، والتوجيه للتخصص المناسب للمتعلم، واستثمار المواقف في التعليم، والتعليم بالتشويق كما في حديث إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها مثلها مثل المسلم، أخبروني ما هي؟ ومعرفة ردود الأفعال، واكتشاف الأخطاء، والاستفادة من تقويم الآخرين، وما يسمى (بالتغذية الراجعة)، والتعليم بالطريقة الحوارية الهادئة، بالإضافة إلى ما يسمى بالعصف الذهني واستخدام الرسوم والخطوط التوضيحية... إلخ، فقال الزملاء إن ما عرضناه بعد بذل الجهد في الترجمة والشرح، حوته هذه الأمثلة النبوية بأبسط عبارة، وأيسر أسلوب.

وأنا هنا لا أقلل من تجارب الآخرين، حاشا وكلا، فالهدي النبوي هو الذي يأمرنا بأخذ الحكمة أنّى وجدناها، وأن نستفيد من أهل العلم في كل اختصاص مهما كان جنسهم ودينهم وبلدهم، ولكن أقصد أن الهدي النبوي صالح لكل زمان ومكان، فحريٌّ بالمسلمين أن يدرسوه بأناة وتؤدة، ففيه ينابيع العلم والحكمة، وكثير من المستجدات الحديثة، جاء بها الهدي النبوي قبل 1400 عام.

ومن ذلك التعليم عن بعد، وإنهاء المهمات العملية والتعليمية والإدارية عن بُعْد، وفي ذلك نصوص كثيرة، منها أن رجلا أراد أن يصافح النبي -عليه الصلاة والسلام- مصافحة البيعة، ولما كان ذلك الرجل مجذوما، وربما ينقل العدوى، فقد اقتضى الظرف إنهاء هذه المهمة عن بُعْد، ولا حاجة للمصافحة والاختلاط، وفي هذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنا قد بَايَعْناك فارجع) أي: بايعناك بالقول من غيرِ أخْذِ اليَد في العَهْد.