لم يكن وطن السعوديين يومًا محتكراً لفئة أو قبيلة أو مسؤول، وحتى ذلك المسؤول، هو في النهاية مسؤول عما كلف به وفقا لنظام معين، ومواطن كأي مواطن في بقية القطاعات والأوقات، هكذا تربينا وهذا ما درجنا عليه من أول يوم استنشقنا به عبير هذا الوطن الأبّي، ولا عبرة بأحداث نشاز، أو أصوات أعداء تتمنى أن ترى السعودي في أضيق عيش، وأشد حال.

الوطن للجميع، في ظل رفاهية عيشه وإغداق خيراته، وكذلك الوطن للجميع في ظل التقشف وشد الحزام لتجاوز ظرف طارئ، سنتجاوزه كما تجاوزنا غيره -بفضل الله- ثم تكاتف الشعب الوفي مع دولته الرشيدة.

حينما وقفت المملكة العربية السعودية في وجه اجتياح صدام حسين للشقيقة دولة الكويت، كانت تقوم بأداء واجبها الأخوي والإنساني تجاه الشقيق، ولم تحسب حسابات الاقتصاد بمكاسبه وخسائره، وحينما تجاوزنا تلك الأزمة -بفضل الله-، تأثرت السعودية اقتصاديا الأثر البالغ، ولكنها عالجت نفسها بنفسها، وتجاوزت المحنة بأسرع من المتوقع، وهذا بفضل الله ثم بفضل الإدارة الرشيدة التي رتبت أولوياتها، فكان الأهم العاجل نجدة الجار الشقيق، ثم أمن وسلامة العباد والبلاد من التهديد العسكري المتيقن من قبل العدو الغاشم وقتها، وبعد انجلاء الغمة لم يقف مع السعودية إلا المواطن السعودي القلب النابض والدم الساري والروح التي تدب في جسد الوطن.

وحينما أظلنا عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- كانت الإصلاحات على المستوى السياسي تشي بعهد آمن ممتد إلى أجيال قادمة، وليس لسنوات تنقضي سريعا، ولم يدخر الإصلاح في العهد الميمون جهدًا في مواصلة الزحف إلى بقية المستويات الاجتماعية والثقافية والإعلامية وغيرها، وكل الإصلاحات في المستويات السابقة لم تكن لتصمد أو تبقى، إلا بإصلاح جذري وعميق على المستوى الاقتصادي، والذي تبناه أمير الحلم السعودي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ليصب فيه كل جهده وإبداعه، ليقول لنا: لن يكون النفط مصدرا وحيدا لوطن الشمس السعودية.

وحينما ضربت العالم جائحة كورونا تركت السعودية كل مشاريعها وطموحاتها، وركزت على سلامة الأصل، وأس الطموح وأساسه، وهو المواطن السعودي، فلم تترك شيئا لم تفعله في سبيل سلامته في أقصى الأرض وأدناها، ناهيك عن ملاحم البطولات التي سطرها رجالات الدولة في مختلف القطاعات الحكومية، بعد أن فتحت لهم الميزانية بلا سقف أو حد، فالمهم سلامة الفرد السعودي، ولم يقتصر الأمر على الإنسان السعودي فحسب، بل تجاوزه إلى المقيم على أرض الوطن، إذ شملتهم العناية الحانية، واليد الندية التي مدت لكل أحد بلا استثناءات، وهذا واجب وحق لهم علينا.

وحين قال وزير الصحة: «إن سمو ولي العهد ضحى بكثير من المكتسبات الاقتصادية لضمان سلامة المواطن»، لم تكن كلمته قد جاءت من فراغ أو قيلت تزلفًا وتلميعًا، بل كلنا رأى كيف أثقلت هذه الجائحة كاهل ميزانية الدولة من خلال الإنفاق المفتوح لمكافحة آثارها، سواء في المجال الصحي، أو حينما دعمت مجالات الاقتصاد المختلفة بأكثر من 180 مليار ريال، ودعمت رواتب 1.2 مليون موظف في القطاع الخاص بنسبة 60 % من الراتب، وغير ذلك من الإجراءات.

والدولة -أعزها الله- حينما بادرت بمكاشفة مواطنيها لتهيئتهم للمرحلة المقبلة، بذات الوضوح والشفافية التي تكلم بها معالي وزير المالية، ووزير الاقتصاد والتخطيط المكلف، لم يكن ذلك إلا ليكون المواطن مع وطنه يدًا بيد، وكتفًا حذو الكتف، لتجاوز الأثر، وعودة الأوضاع العامة إلى طبيعتها، وهذا أقل الواجب، فلسنا -والله- مواطني الرخاء دون الشدة، فنحن مع دولتنا وقيادتنا في السراء والضراء، وبايعنا على السمع والطاعة في المنشط والمكره.

ومما لا يغيب عن البال، أن كل دول العالم دون استثناء ستقوم بشد الحزام واتباع سياسة التقشف في الفترة القادمة، فما مر به العالم لم يكن هينا ولا سهلا عليه تجاوزه، وكما قال كل قيادات الدول: «عالم ما قبل كورونا مختلف عن عالم ما بعد كورونا»، وكلنا رأينا أداء الحكومات العالمية المختلفة أثناء الأزمة، وكيف تباينت أولوياتها، حتى الإنسانية منها، أما نحن فنعمل وكأننا في بوتقة واحدة الكل يقوم بدوره، وما يجب عليه فعله، حتى صرنا نحار بين الموظف والمكلف والمتطوع، وفي هذا خير، وكلي ثقة أننا سنتجاوز هذه الأزمة سريعا، وسنكون أقوى بإذن الله.

سنعتبر الفترة القادمة فترة تصفية وتنقيح لأفكار وقدراتنا العامة والخاصة على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدولة والمجتمع، وسنعتبرها فرصة أخرى جاءت على طبق من ذهب، لمزيد من العلم والتربية على سلوكيات اقتصادية كان يجب علينا التعود عليها وقت الرخاء، مثل ثقافة الادخار، وثقافة الاقتصاد وعدم التبذير والإسراف، ودراسة المستقبل والاستعداد للطوارئ المداهمة بلا استئذان.

واستباقا لأي إشاعات، فإن القول باحتمالية أن تطال بعض القرارات الرواتب في القطاع الحكومي، فهو توقع غير صائب واحتمال غير منطقي، إذ إن التأثير على المرتبات لموظفي الدولة سيؤثر على القدرة الشرائية، والتي تعتبر العامل المهم في انتعاش اقتصاد ما بعد الأزمة، لنقطع الشائعات ونميتها في مهدها، ولا نتلقى الأخبار إلا من القنوات الرسمية فقط، ولنكن بعيدين بعد المشرقين عن المحللين والمتوقعين للسوء والأسوأ.

الحكومة السعودية أحرزت تفوقا عالميا للسيطرة على وباء عالمي، وتفوقت على دول كبرى في هذا المجال، ولن يعجزها أزمة اقتصادية عابرة ستمر منها بسلام، ثقة بقيادتنا الرشيدة، وبإخلاص الشعب السعودي الكريم، والذي يقع على عاتقه جزء من المسؤولية تجاه القضاء على الأثر الاقتصادي الذي نجم عن هذه الجائحة.

وأخيرا، سنكون بأمان تام متى ما تعاملنا مع الأزمة بوعي ووفاء، وأن ما يحدث هو إجراء طبيعي، واحتراز مؤقت، وأن ثقتنا كبيرة وغير منتهية بقدرة صنّاع القرار على تجاوز هذا العارض، لنعود أقوى مما كنا.