جائحة كورونا ليست مجرد فيروس يستمد حياته من الفتك بأجساد البشر، هو وباء تعدى خطره إلى ضرب عصب حياة الشعوب من خلال إصابة اقتصادها وتجارتها وكل شرايين الحياة فيها بشلل، لا يستطيع إلا الله وحده، ثم حكمة الحكومات - في التعامل مع هذا الوضع - لإعادة الحركة في أطرافها من جديد. هنا في السعودية نحن في مأمن إن شاء الله، مادمنا بكنف قيادة أثبتت حكمتها في التعامل مع هذه الأزمة، لذلك فالاقتصاد ليس هو مضمون هذا المقال. ما أود تسليط الضوء عليه هو تأثير الإجراءات الاحترازية لجائحة كورونا على نفسيات الناس ونتائج ذلك في الحياة الاجتماعية. كان وما زال الحجر والحظر الجزئي أو الكلي هو الإجراء الأفضل للسيطرة على الفيروس والحد من انتشاره. وأثبتت هذه الاحترازات فعاليتها فيما شرعت من أجله، ولكن، دواء الحظر والحجر رغم فائدته العظيمة إلا أنه كأي دواء، تصاحبه آثار جانبية تؤثر في النفس البشرية، وبالتالي الحياة الاجتماعية، آثار يجب ألا نغفل عنها حتى لا يصل مداها لمرحلة تحتم علينا البحث عن علاجات صعبة.

الناس تقبلت الحظر على أساس فترة ستمر سريعا، ولكن مع طول المدة، وعدم ظهور بوادر أمل قريب في إيجاد لقاح أو علاج يفتك بكورونا الفتاكة، بدأت تظهر آثار الحظر الجانبية، مواقع التواصل مليئة بمقاطع توثق عدم التزام بعض المستهترين بالقوانين، كمقطع إيذاء الناس بتخريب سياراتهم من قبل مراهقين وغيرها، وكل هذا تتصدى له الجهات الأمنية مشكورة بسرعة ومهنية.

وزارة الصحة في بياناتها تقول إن المخالطة الأسرية زادت نسبة الإصابة بين النساء والأطفال، فما السبب في كل هذا ؟

في كل بيت يعيش طفل حرم من ممارسة حياته كما في السابق، ممنوع عليه الخروج، وهو مهما شرحنا له لا يدرك حجم الخطر. مراهقون بطاقات عالية تحتاج لتبديدها بالعمل والحركة، كبار ملوا أسوار المنزل وتعطل الحياة، هنا يحدث الضرر، فالأطفال والمراهقون سيكونون أكثر التصاقا بما كنا نحاربه من ألعاب عنف تربطهم من خلال الشبكة العنكبوتية بمن لا نستطيع أن نعرف نواياهم، وبالتالي قد ينشط سوق سرقة العقول والتأثير فيها خلال هذه الفترة. أضف إلى ذلك أن تفريغ الضغوط بالمشاكل والمشاحنات بين الأزواج أو الكبار والمراهقين، أو الإخوة، ستنشط شياطينها نتيجة الفراغ، مع الضغط النفسي خاصة لمن زادت إرهاقاته النفسية بموت عزيز أو مرض أحد أفراد عائلته فأجبر على البعد في وقت يستلزم القرب، ولا ننسَ من باب رزقه أقفل بقفل كورونا وتبعياتها وأصبح عمله في خطر، خاصة أصحاب المشاريع المبتدئة من الشباب الذين تعبوا إلى أن وضعوا أرجلهم على بدايات الطريق.

تفاصيل كثيرة ستؤثر سلبا في سلامة الصحة النفسية والاجتماعية، يجب أن نجد لها مخارج أزمة قبل أن تصبح شبه خارجة عن السيطرة.

فما الحل إذا ؟

الحل أن تأخذ الجوانب النفسية والاجتماعية حقها من الاهتمام من الجهات المسؤولة كما أخذت الجوانب الصحية والأمنية والتعليمية والاقتصادية حقها.

وأن تعتبر الوقاية والعلاج لصحة الأفراد النفسية والمجتمعية من أولويات الاهتمام في مواجهة هذه الجائحة.

ليتنا نبدأ تفعيل دور عيادات الاستشارات النفسية والاجتماعية، ونسلط الضوء الإعلامي والتوعوي لأهميتها ليتوجه إليها كل من شعر أنه يحتاج لخدماتها.

ليتنا نوجد رقما موازيا لـ 937 يهتم بتوجيه من يحتاج لمراكز الاستشارات النفسية بناء على ما تتطلبه حالته.

وليتنا نسهل منح تصاريح تنقل لمن يحتاج لمراجعة عيادات النفس أو مراكز الاستشارات النفسية أو الاجتماعية.

ليتنا نبتكر برامج على شاشات الأجهزة الذكية تتيح لمن يحتاج الخدمة النفسية المناسبة بسرية ومهنية نستطيع أن نقدمها بثقة.

ليتنا نكثر من البرامج التلفزيونية ومقاطع وبرامج الإعلام الجديد التي توجه للنفس ومتطلباتها والمجتمع باحتياجاته.

وقد يكون من المفيد عقد ورش عمل أو دورات عن بعد نتعلم من خلالها كيف نحافظ على السلامة النفسية والعالم يغرق في عمق أزمة كورونا.

نستطيع أن نفعل الكثير، لنواجه كوفيد19- ونحاصره من كل الجوانب، حتى نخرج من هذه الأزمة بأقل الخسائر.