قد يقال كثير عن ابن سلمان، ربما لم يشغل رجل في الوقت الحالي الإعلامين العربي والدولي مثل ولي العهد السعودي، كثيرون يمتدحون خطوات بل قفزات ابن سلمان التاريخية، وهناك آخرون يهاجمونه لأغراض معينة، لكن كلا الفريقين يتفقون على شيء واحد، أنه إذا كان هناك رجل سيغير تاريخ الشرق فهو محمد بن سلمان.

ما زلت أذكر مقال الجريدة التي تهاجم ابن سلمان باستمرار على لسان أشهر كتابها توماس فريدمان، عندما قال «لم أكن أعتقد أنني سأعيش طويلا بما يكفي لكتابة هذه الجملة: إن عملية الإصلاح الأكثر أهمية الجارية في أي مكان في الشرق الأوسط اليوم هي في السعودية»، وكما يقول المثل «الحق ما شهدت به الأعداء».

في هذا المقال سنطرح تساؤلا كبيرا بدا واضحا في منطقة الشرق الأوسط، وهو وجود خيارين وعربتين في المنطقة، لكن قبل إجابة السؤال دعونا نتكلم عن مستقبل الشرق الأوسط، يقول المهاتما غاندي عبارته «المستقبل يعتمد على ما نفعله في وقتنا الحاضر»، ماذا يعمل ابن سلمان حاضرا للمستقبل؟. ببساطة، الجواب: هو يحول منطقة الشرق الأوسط إلى أن تكون مركز العالم الجديد؟.

هل الأفعال التي هي أقوى من الأقوال، والأرقام تؤيد هذه الإجابة.. هذا سرد لبعض أفعاله وأرقامه.

يقال إن التقنية هي عماد المستقبل، فكيف بإنشاء أول مدينة رقمية كلية بالعالم في نيوم، إذا تكلمنا عن المستقبل فإننا نتكلم عن مدينة المستقبل، بل منطقة المستقبل لأن حجمها أكبر من نيويورك بأكثر من 30 مرة، منطقة 100 % تعتمد على الطاقة المتجددة، تدار بالذكاء الصناعي، كل ما يتمناه بل ما يحلم الناس والعلماء به في مدينة المستقبل موجود فيها، كل شيء فيها مختلف ومتقدم، الطاقة والنقل والتكنولوجيا الحيوية والمياه والغذاء والعلوم التكنولوجية والرقمية والتصنيع المتقدم والإعلام والترفيه، وألعاب الفيديو.

هذا مجرد مثال واحد لمجموعة من مدن المستقبل، وهناك مشاريع مثل مشروع البحر الأحمر وأمالا والقدية وغيرها كثير.

دعونا نتكلم عن المال الذي هو عصب الحياة، المستقبل سيكون للمستثمر العالمي، في المستقبل لا يهم من لديه أكبر عدد سكان أو أكبر أراض، بل من سيدير العالم هو من سيتحكم باقتصاده واستثماراته، وفي نهاية المطاف السياسة ترضخ تاريخيا للمال، سابقا كانت المنطقة والخليج مجرد محطة تعبئة طاقة للعالم أو هكذا رآها كثيرون، لكن مستقبلا صندوق الاستثمارات العامة سيكون اللاعب الدولي الأكبر والأول على صعيد إدارة الاستثمارات من أدنى شرق الأرض لغربها، نحن نتكلم عن صندوق سيكون حجمه تريليوني دولار، والحديث عنه يطول، لكن سأتكلم عن معادلة مهمة طالبنا فيها لسنوات، والصندوق بدعم ابن سلمان نجح فيها، هي استثمر في الشركات الكبرى ذات التقنية واحصل على أرباح وأيضا نفوذ، وانقل التقنية للبلد، ورغم تعدد نشاطات الصندوق فإنه أعجبنا مؤخرا بمثالين، هما في أزمة كورونا، حيث بدأ الصندوق باقتناص الفرص، وكذلك مثال آخر جميل، هل كان أحد يتصور أن هذا البلد الصحراوي (السعودية) يستحوذ على كبريات شركات العالم في الغذاء والزراعة في البرازيل وأستراليا وكندا وأوكرانيا وغيرها!.

الطاقة التي هي وقود اقتصاد العالم ومستقبله، لعقود من الزمن كانت المعادلة في العالم هي، أوبك وبعض المنتجين المستقلين وبينهم منافسة وصراع، وهناك الدول المستهلكة التي تلوم أوبك على كل شيء لتحمي شركاتها، وبقيت المعادلة دون تغيير يذكر إلا من بعض الموجات صعودا وهبوطا، لكن من كان يتوقع أن يكون هناك أوبك بلس، ومن كان يتوقع أن الدول المنتجة والمستقلين والمستهلكين يكونون ما سمي أوبك بلس بلس، أوبك التي كان يدعو عليها السياسيون الغربيون بالثبور أصبحوا يطالبونها بالتدخل!، من هو مهندس هذه المعادلة الدولية الجديدة؟ هو ابن سلمان بشهادة الجميع.

بل الأغرب من ذلك أن من يفطم دولته الآن وستأتي بقية دول المنطقة تباعا من الاعتماد على الوقود الكربوني كمصدر شبه وحيد للدخل هو نفسه ابن سلمان، لا يريد لبلده أو للمنطقة أن تعتمد على مصدر واحد، بل عشرات المصادر من الصناعة للتكنولوجيا لإدارة المال والتجارة، وهناك الثروة المعدنية التي ستكون ثورة كبرى في اقتصاد البلد تذكر ببداية ثورة النفط قبل عقود.

ابن سلمان يبني للمستقبل ما كنا نطلق عليه أعمدة الاقتصاد السبعة.

ومنطقة الشرق الأوسط معروفة بالخلافات والصراعات منذ مئات السنين، ومرت عليها فترة من التشدد، الآن من يقود موجة الاعتدال في الحاضر والمستقبل في المنطقة؟ سؤال إجابته واحدة في كل المنطقة، قائد التغيير هو ابن سلمان، قد لا يعجب بعض المتشددين ذلك، لكنهم يعترفون به.

الآن الشرق الأوسط بين خيارين أو عالمين أو قاطرتين كما سألنا في بداية المقال، قاطرة المستقبل التي تدعو للتقدم والرفاه والعز وتغيير الشرق الأوسط ليكون نواة العالم الجديدة، وهذا القاطرة يقودها ابن سلمان ويدعو الجميع للركوب فيها والتعاون، وهناك قاطرة أخرى تدعو للرجوع للخلف ومناقشة أمور ماضية قديمة منذ آلاف السنين، وتدعو للحروب والدمار والقتل والتهجير ويقودها النظام الإيراني وذيوله مثل حزب الله والحوثيين، إن النظام الإيراني يعيش في خيالات الماضي، وانظروا أي دولة يتدخل فيها النظام الإيراني ماذا يحدث لها؟.. بوضوح، لبنان والعراق واليمن وسورية تتدمر، كأنه مرض الطاعون يقتل ويشرد.

يقول الفيلسوف ايدموند بورك «لا تستطيع أبدا تخطيط المستقبل باستخدام. الماضي»، بينما ابن سلمان يطبق مقولة «تعلم من الماضي وعش الحاضر واصنع المستقبل»، ولكم الخيار أيها الناس في الشرق الأوسط باختيار أي عالم، وأي مستقبل تريدون لكم ولأبنائكم!؟

هل كان طريق ابن سلمان بنقل المنطقة بين هذين العالمين سهلاً أو مفروشا بالحرير؟ لا، بل واجه عددا من الصعوبات، لكن الجميل أنه دائما يردد أن هناك في كل أزمة فرصة، وهو رجل تركيز، يضع الهدف نصب عينيه ويبادر ولا يتشتت رغم العقبات إلى أن يصل!.

نعم هناك البعض خذلوا رؤية ابن سلمان، إما لأنهم لم يكونوا على قدر المسؤولية بسبب عدم الكفاءة، أو عدم القدرة على التكيف على تغييرات الرؤية، أو لفساد ورفض للرؤية، مثلا، تضايقنا من أمر الفاسدين في الصحة أثناء أزمة كورونا، لأنهم كمن يسرق من بيته أثناء الحريق والأزمات، ونتضايق جدا عندما نرى البعض يضع شعار الرؤية وهو لا يطبقها عمليا، بل يفعل عكسها، لكن الأهم أن ولي العهد منتبه ويعرف بواطن الأمور، وحتى لو تأخرت الأمور قليلا، ففي علم إدارة المشاريع فإن غالبية المشاريع تتأخر عن وقتها لسبب أو آخر، فما بالكم بمشاريع على هيئة بناء دول ومدن، والمهم هنا الوصول للنتائج.

دعوني في آخر المقال أعترف أني متحمس جدا للرؤية لأنها تحقق لنا ما كنا نكتب عنه لعقد من التطور والتغيير، من الصندوق السيادي الكبير، لتغيير البلد والذكاء الصناعي، وأيضا للطب المستقبلي وصناعة الأعضاء والعلاج الجيني، للطاقة المتجددة، وللحيوية السياسة والدبلوماسية.. ابن سلمان جعل أحلامنا حقائق لتقدم البلد، لكن رغم الحماس حاولت في هذا المقال أن أكون واقعيا جدا، والملاحظ أن كل الأمثلة المضروبة أعلاه هي أشياء ملموسة يشاهدها العالم.

إذا ذكرنا ابن سلمان فيجب أن نذكر معلمه الأول أبا فهد، والحديث عن مدرسة أبي فهد مختلف كليا، ونعترف ونقول ومن لدينا أعز من قائدنا أبي فهد، سواء ماضيا منذ عشرات السنين أو حاضرا ومستقبلا، وبدون شك إنه لشرف رفيع ومسؤولية عندما يذكر (ابن سلمان)، فإنه يعرف أنه محمد كما كان جده -يرحمه الله- عندما يذكر ابن سعود يعرف أنه عبدالعزيز.