يعتمد تمكين أبنائنا أبطال المجتمع من الممارسين الصحيين، على الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، ويشمل مخرجات جميع الكليات الصحية في المملكة، والذي يتضمن الطب البشري والأسنان، والصيدلة، والتمريض، والعلوم الطبية التطبيقية. ويتوقف تمكين تلك المخرجات على اجتيازهم اختبارات الهيئة السعودية للتخصصات الصحية بداية، ثم قبولهم للتدريب على التخصص في المستشفيات الحكومية ومستشفيات الجهات الحكومية الأخرى المعتمدة (الحرس، العسكري)، وذلك بعد تسكينهم في تخصصات تحددها الهيئة بناء على معايير دقيقة وإجراءات ترتبط بآلية خاصة بهم، وعليه فإن مستقبلهم مرهون بإجراءات الهيئة ومعاييرها المعقدة على المواطن بداية، وبقبول المستشفيات لهم في التخصص الذي تم قبولهم فيه تالياً، وإلا فإنهم سيكونون ثروة بشرية مهدرة تعطل الاستفادة منها لفترة قد تستمر سنوات.

منذ فترة وجيزة أعلنت نتائج اختبارات الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، والتي تجري فيها تصفية المتقدمين لها بشدة وتعقيد مبالغ فيه، بما يعيق التمكين الفعلي للجزء الأكبر من المتقدمين لها، ويحول دون إمكانية استكمالهم لمسارهم العلمي بالتخصص فيه والتدريب، لينضموا لقافلة أبنائنا من الكادر الصحي، وأما من حالفهم الحظ في الاجتياز فتواجههم عقبة أخرى، ألا وهي القبول من المستشفيات للتخصص فيها، وذلك مقيد بأعداد محدودة جدا. بالطبع لا ندعو للتساهل في الاختبارات التي تسهم في تصفية المستوى العلمي للمتقدمين، وضبط جودة المخرجات، ولكن ندعو للمساواة في التقويم والتوظيف، عند التعاقد مع غير المواطنين الذين يمثلون الجزء الأكبر من الممارسين الصحيين، كما نأمل من وزارة الصحة تمكين المستشفيات الحكومية، لقبول أبنائنا للتدريب على التخصص فيها ودعمها فنيا وإداريا وماديا، علاوة على التوجيه نحو مضاعفة أعداد قبولهم بمختلف تخصصاتهم في المستشفيات جميعها.

يشير التقرير الأخير للهيئة السعودية للتخصصات الصحية والمنشور في 2018 إلى إن إجمالي عدد الأطباء المصنفين من قبل الهيئة بناء على مؤهل بكالوريوس (الطب البشري)، سعودي وغير سعودي، ذكورا وإناثا، بلغ 41347، منهم 13318 سعوديا، و28029 غير سعودي، وذلك خلال السنوات الخمس الماضية من 2013-2017، بل ينخفض العدد للسعوديين إلى 5748 فقط، عند استبعاد السعوديين المقيدين في الدراسات العليا عند الهيئة وفي الابتعاث، فيبلغ العدد الإجمالي (سعودي/‏ غير سعودي) 33777 طبيب بكالوريوس يشكل منهم غير السعوديين 28.029.

أما بالنسبة للأطباء المتخصصين والمصنفين على درجة نائب/‏ ونائب أول/‏ واستشاري، فقد بلغ العدد الإجمالي لهم، سعودي/‏ وغير سعودي، 52619، منهم 11931 سعوديا و40688 غير سعودي.

من جانب آخر، تشير بيانات الهيئة إلى أن عدد الباحثين عن عمل من السعوديين من مخرجات الطب البشري فقط والمسجلين في طاقات وجدارة، بلغ 5873 متخرج بكالوريوس، و94 متخرج دراسات عليا، وعليه فقد أنشأت الهيئة قاعدة بيانات موحدة للباحثين عن عمل من الأطباء، تم فيها استبعاد الأسماء المكررة والذين تم توظيفهم والمبتعثين منهم، لينخفض العدد إلى 440 طبيب/‏ طبيبة حملة بكالوريوس، و5 أطباء من المتخصصين من حملة الدراسات العليا، وذلك بعد عمل استبيان إلكتروني، تجاوب منهم 288 من حملة البكالوريوس، و13 من المتخصصين من 23 متخصصا.

وفي ظل ما نشهده وما نلمسه من أهمية بالغة للكادر الصحي بجميع تخصصاته، والذي تطلب من دول العالم المتقدم استدعاء متقاعديها لدعم مواردها البشرية منه، ولسرعة تمكين مخرجاتها الصحية للمساهمة في دعم القطاع الصحي بالعمل والتطوع معا، وفي ظل ما نجده من فقدان مستمر لممارسين صحيين أثناء ممارستهم لعملهم الإنساني في شتى أنحاء العالم في الأزمات الصحية، ألا يحق لنا أن نتعجب ونتساءل، عن مصير مخرجاتنا الصحية المواطنة التي ما زالت تبحث عن عمل، وما زالت تسعى جاهدة لتمكينها من التخصص في مستشفيات الوطن تحت إشراف الهيئة، والتساؤل المطروح على وزارة الصحة وهيئة التخصصات الصحية، أما آن لكم مراجعة سياساتكم نحو مخرجاتنا الوطنية لتيسير تمكينها من التخصص؟! ولماذا لا يستفاد من المستشفيات الخاصة المتميزة والحكومية المستثناة، في استقبال أبنائنا من الأطباء للتدريب لديها، بمتابعة وإشراف ودعم من وزارة الصحة والهيئة السعودية للتخصصات الصحية وتعاون وزارة الموارد البشرية، وبما يسهم في ضبط جودة أدائها ويعزز من الاستفادة منها لسد العجز في المستشفيات الحكومية المتاحة للتدريب التخصصي، وللتمكين من استقبال أعداد أكبر من المتخرجين، والتي ما زلنا في أمسّ الحاجة لها، وما زلنا نواجه عجزا شديدا في مواردنا البشرية الصحية، إذ تشير بيانات الهيئة السعودية للتخصصات الصحية لعام 2017، إلى أن عدد الأطباء السعوديين المتخصصين لا يتجاوز 11931 طبيبا/‏ طبيبة، بينما تحتوي مستشفياتنا على 40688 طبيبا غير سعودي. يثبت الواقع دوما وتؤكد البيانات الإحصائية أن كثيرا من تحدياتنا التنموية التي تواجهنا تحتاج إلى مراجعة لسياستنا التنموية في القطاعات ذات الصلة بمواردنا البشرية، لتطويعها وتيسير إجراءاتها المنفذة وآلياتها المتبعة، بما يخدم تمكين المواطن وتأهيله، والذي به نحصد استثمارنا في مواردنا البشرية، لنسير قدما نحو تحقيق رؤية 2030 بمستهدفاتها المأمولة.