يجند النظام التركي المعارضين الأجانب ويؤويهم ويستخدمهم كورقة سياسية يلوح بها هنا وهناك كلما ضاقت عليه السبل. ولكن تركيا تلعب مكشوفة دون غطاء، ذلك لأنها تعتمد بشكل كبير على الإعلام المرتزق وفلول الأحزاب المنبوذة ومجموعة من الهواة في الحروب النفسية.

ولو عقدنا مقارنة قانونية بين حادثتي خاشقجي ومولوي لوجدنا أن مسعود مولوي قتل في أحد شوارع إسطنبول، ورغم أن تركيا تحفظت على مجموعة من الإيرانيين على ذمة التحقيقات، إلا أن اسفنجاني منفذ الاغتيال تم تهريبه عبر الحدود الشرقية إلى إيران، ومع ذلك لم يطلب المدعي العام التركي إصدار نشرة حمراء لتعقبه وتسليمه لتركيا على غرار المتهمين بقضية خاشقجي؟

أما حادثة خاشقجي التي وقعت داخل أسوار القنصلية السعودية - والمعتبرة أرضا سعودية، كما أشارت المادة الثانية والعشرين من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية - نجد أن المدعي العام التركي يصدر بيانا يطلب فيه من الإنتربول ومن الحكومة السعودية تسليم المتهمين لتركيا لمحاكمتهم، وهو بذلك يخالف الأنظمة والأعراف الدولية، بل ويخالف القانون التركي للعقوبات TCK رقم 5237 في المادة الثامنة الفقرة الأولى التي نصت على إقليمية القانون الجنائي وانطباقه على ما يقع في أراضيها.

ومما يتعارف عليه أنه لا يجري تسليم المطلوبين بين الدول إلا ضمن اتفاقيات أو في وجود علاقات ثنائية رفيعة المستوى، وكلا الأمرين غير متوفر بين السعودية وتركيا في ظل برود العلاقات بين البلدين.

أما الإنتربول فإن نظامه الأساسي ينص في المادة الثالثة على أنه لا يعمل على القضايا ذات الطابع السياسي، ولا يغيب عن أي مراقب للأوضاع أن بيان المدعي العام التركي هو مناكفة سياسية واضحة وليس دفعا باتجاه العدالة، وهو مع ذلك مناكفة تفتقر للذكاء، فالسعودية فعليا استلمت القضية وعقدت محاكمات علنية يحضرها محامون ممثلون للمتهمين وممثلون لمجلس حقوق الإنسان وممثلون للأمم المتحدة ومندوب من السفارة التركية، وهذا اعتراف تركي بشرعية المحاكمات، إنه أمر مثير للسخرية أن يصدر المدعي العام التركي بيانا يطلب فيه تسليم المتهمين لتركيا، بينما ترسل حكومته ممثلا عنها لحضور المحاكمة في السعودية، بل إن هذه المناكفة السياسية التركية تخالف المادة الثالثة من قانون العقوبات التركي التي نصت على أنه في تطبيق القانون الجنائي لا يمكن التمييز بين الأشخاص تبعا للأفكار السياسية. وهنا نجد أن الادعاء العام التركي خالف القانون، إذ اتبع مسارات مختلفة في معالجة كل من قضيتي خاشقجي ومولوي، وكان موقفه في كل مرة صادر عن أهداف وتصورات سياسية لا تتقاطع مع العدالة العمياء بأي حال. ولا شك أن عين النائب العام التركي كانت مصوبة على المصالح السياسية بين تركيا وإيران.

فالنيابة العامة التركية مسيسة ويتضح افتقارها للاستقلال والموثوقية.

ومن جهة أخرى فإن النشرات الحمراء الصادرة عن الإنتربول لملاحقة المطلوبين هي إجراء روتيني فلا يلزم الإنتربول الدول الأعضاء بتنفيذها، وترجع القيمة القانونية للنشرة الحمراء لقرارات الدول وتنشأ من سيادتها. ويقودنا هذا إلى أن التضخيم الإعلامي الذي رافق بيان المدعي العام التركي هو المطلوب، وهذه طريقة أصبحت تركيا تنتهجها مؤخرا وربما سنرى المزيد من المحاولات اليائسة لطرح أوراق للمساومة.

يبقى أن نشير إلى أنه بينما تحاول تركيا النيل من سمعة العدالة السعودية، تتقدم المملكة لتشغل مقعدا في لجنة مكافحة الجريمة والعدالة الجنائية بالأمم المتحدة، وهذا مؤشر على قبول أممي بأن تشارك السعودية في رسم خارطة القانون والسياسات الدولية الجنائية.