تعتبر المملكة العربية السعودية من بين الدول التي تفطنت لخطورة أزمة كورونا بعد انتشار خبر تفشي الفيروس بالصين، فبادرت إلى هندسة طريقة نادرة في مواجهة الجائحة فرسمت إستراتيجية متميزة على جميع الأصعدة، منطلقة من الإجراءات الاتصالية الأولية وتفعيل الخطة الميدانية لتجريد فيروس كورونا من سلاحه الذي يستعين به للفتك بالمواطنين

ألا وهو سلاح التقارب الاجتماعي.

كلمة الهندسة الإستراتيجية من المفاهيم التي يمكن أن توصف بها خطة المملكة في الدفاع عن مواطنيها ضد عدو لا يرى بالعين المجردة، فبنت القيادة الرشيدة في المملكة خطتها الدفاعية على عدة أصعدة، مستعينة في ذلك بالحكمة الشاملة لجميع القطاعات، انطلاقا من الخطاب السياسي الذي كان مفعما بمصطلحات منتقاة تتماشى والوضع الخاص والذي كان فحواه قائما على طمأنة المواطنين، وكان جد فعال في الوقت الذي استسلمت فيه الكثير من الحكومات وأعلنت أمام شعوبها ضعفها وأدخلت الارتباك والخوف في قلوب مواطنيها في وقت الشدة والحاجة للمسؤول، إلا أن الأمر على العكس بالمملكة التي اتسمت فيها الخطابات السياسية خاصة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان -حفظهما الله- بجرعات من التفاؤل وسهرهما شخصيا على متابعة الأزمة عن قرب وأنهما مع جميع الطاقم الحكومي والإداري جنبا إلى جنب مع الشعب، وأن الأمر يحتاج للشجاعة والمسؤولية والقرارات الرشيدة المسؤولة، هذا ما بعث روح التفاؤل عند المواطن السعودي وجميع المقيمين، حتى الذين يقيمون بطريقة غير شرعية، بعد أن وجه الملك أمرا يقضي بعلاج جميع من يقيم على أرض المملكة حتى ولو كان مخالفا لقوانين الإقامة.

كما برزت أهمية الخطابات السياسية للهيئات الرسمية متراصة وراء القرارات الملكية كل حسب مجاله، انطلاقا من وزارة الصحة مرورا بجميع وزارات المملكة، والتي كانت حريصة على تفعيل الاتصال بجميع أشكاله خاصة الوقائي والأزماتي منه من أجل تشجيع المواطنين على ملازمة البيوت والعمل على احترام نصائح الخبراء، والاستمتاع بالبدائل المختلفة مع العائلة.

لقد كانت هذه الإستراتيجية قائمة على التدارك الاستباقي لانتشار الفيروس إذ أوقفت المملكة رحلاتها الجوية من وإلى المملكة حتى يتم بسط السيطرة على المصابين الذين دخلوا إليها حاملين للفيروس، كما سارعت القيادة السعودية إلى تخصيص فنادق داخل وخارج المملكة لمتابعة حالة المصاب السعودي وهذا ما استحسنته الكثير من المنظمات والدول وقبلها الجالية السعودية في الخارج، إذ رصدت المملكة مبالغ مالية ضخمة للتعامل مع هذا الشق كجانب يبين مدى اهتمام المملكة بمواطنيها أينما كانوا في الوقت الذي كانت الكثير من الجاليات الأخرى تستنجد بدولها قصد التدخل دون جدوى، وهذا يعتبر بمثابة المنعرج الذي يفرض على جميع السعوديين التمسك بوحدة الأمن القومي السعودي أينما كانوا وارتحلوا خاصة أن دولتهم لم تدخر أي مجهود من أجل رفع رؤوسهم أمام الأجناس الأخرى بفضل الخطوات الإجرائية الميدانية لإجلاء المواطنين السعوديين من وإلى المملكة.

ومن أهم الخطوات الأساسية بعد تشريح الخبراء للأزمة وفهم نقاط قوتها وضعفها، أدركت القيادة الرشيدة للمملكة خطورة الوضع، فجندت مختلف وسائل الاتصال خاصة القنوات التلفزيونية والرسائل النصية الهاتفية وكذا المواقع والتطبيقات الإلكترونية للتحذير من الفيروس وتقديم الأساليب الناجعة للمواجهة، وكذا النصائح الطبية لكيفية التعامل قبل وبعد المرض وكيفية التواصل مع الهيئات المسؤولة، وما ميز الرسائل الاتصالية أنها كانت دون تهويل أو تخويف إنما دعت إلى ضرورة المكوث في البيوت مستعينة في ذلك بالنصوص الدينية والأسلوب النبوي في معالجة مثل هذه الأزمات وكذا بنقل آراء الخبراء في مواجهة وتحويل مسار الجائحة، ثم إن القرارات أتبعتها الإدارة في المملكة بإجراءات حازمة ضد من يخالف القرارات وذلك حرصا على صحة المواطنين خاصة أن هذه القرارات بنتها المملكة على أسس مدروسة بعد تسجيل أوروبا وأمريكا والعديد من الدول -نتيجة الاستهزاء- آلاف الحالات من الوفيات والإصابات.

ومن أهم القرارات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية في مواجهة جائحة كورونا إيقاف العمل في العديد من المؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية دون إهمال الإعانات المالية وكذا الغذائية في بعض الحالات التي يتطلب فيها الأمر التدخل المباشر، ليتم استبدال أداء الوظائف إلكترونيا في المنازل كقطاع التعليم مثلا الذي تفننت فيه الإدارات الجامعية من حيث السرعة القياسية في التحول إلى أداء العمل والجودة فيه إلكترونيا بالاستعانة بجميع التقنيات الحديثة للاتصال والتكنولوجيات الجديدة وجميع وسائط الإعلام المختلفة.

ولعل أحسن مثال اطلعت عليه أنا شخصيا ما قامت به جامعة الملك عبدالعزيز من جهود، وذلك بتفعيل الإدارة الإلكترونية وتقديم دورات احترافية في توظيف التعليم عن بعد للأساتذة وشرح الفصول الافتراضية للطلبة، ولقد سخرت جميع طرق التواصل؛ كالإيميل الجامعي وموقع الجامعة وأشكال أخرى من الطرق الفعالة في التواصل التي تجندت لها الإدارة بجميع فروعها خاصة القائمة على النظام الإلكتروني للجامعة والجهود الجبارة للأساتذة من أجل توفير راحة الدراسة والحصول على مخرجات متميزة بعد تلك المدخلات المتواصلة للجهود.

كما أن المؤسسات الصحية كانت بدورها فعالة على مدار الـ 24 ساعة من أجل استقبال المصابين بالكورونا وحتى لعلاج المرضى في الحالات العادية وما زاد من حرص هذه الإدارة الإستراتيجية أنها وضعت أطقما طبية في خدمة المرضى بالبيوت.

إن أخطر المشاكل التي واجهت الدول حتى الكبرى منها أزمة توفير المواد الاستهلاكية والغذاء إلا أنها لم تطرح في السعودية بفضل سهر المملكة على توفير المواد الاستهلاكية، وعملت على تفادي حدوث الهلع في أوساط المواطنين والمقيمين مستعينة برسائل مطمئنة للجميع بتوفير جميع الحاجيات الغذائية والاستهلاكية على نطاق واسع، هذا ما أدى إلى الاطمئنان الكبير عند المواطن السعودي وغير السعودي مكتفيا باقتناء ما يحتاجه دون إفراط.

إن البناء الاستراتيجي لخطة المواجهة والهندسة لها بهذه السرعة والدقة في الجودة والأداء ليدعو إلى الافتخار والاعتزاز للمواطن السعودي، وحتى للمقيم غير السعودي، بهذه الدولة القوية في حكمة قادتها وفطنة مواطنيها، إنها حقا إستراتيجية رشيدة تكاثفت جميع جهود الهيئات الرسمية وغير الرسمية في المملكة من القصر الملكي مرورا بالحكومة والمجتمع المدني والمواطن السعودي وغير السعودي في مواجهة أزمة عالمية عجزت في مواجهتها العديد من الدول حتى الكبرى منها، وهذا بفضل الله تعالى ثم بفضل الخطة المسبقة الوقائية وتفعيل إستراتيجية تم بناؤها وتنفيذها بإحكام لتكون درسا قويا في قوة المملكة قيادة وشعبا.