استشعارا لواجبها الإنساني، وتقديرا لوشائج القربى والجوار والتاريخ المشترك، ومواصلةً لقيامها بدورها الإنساني، نظّمت المملكة، أمس، مؤتمر المانحين لليمن، بالشراكة مع الأمم المتحدة، ومشاركة كبرى دول العالم والمؤسسات العاملة في الحقل الإنساني، لتكثيف الوعي العالمي بالأزمة في اليمن، وتسليط الضوء على الدور التخريبي الذي تقوم به جماعة الحوثيين الانقلابية، التي تجاوزت كل القيم والأعراف، واستولت على مقاليد الأمور بقوة السلاح، وانقلبت على النظام رغم وجود حكومة شرعية يعترف بها العالم أجمع، وعاثت في اليمن فسادا وقتلا وتشريدا، كل ذلك بإيعاز مباشر من النظام الإيراني الذي أدمن إشعال الحرائق، وإذكاء فتيل الأزمات، وبث الفوضى في المنطقة.

جاء تنظيم المؤتمر في هذا الوقت الحرج من تاريخ العالم، إذ تنشغل كل الدول بمواجهة فيروس كورونا الذي أصاب الملايين، وأدى -حتى الآن- إلى مقتل مئات الآلاف، وتسبب في تعطيل حركة الاقتصاد العالمي الذي بات على مشارف الدخول في انكماش جديد.

لكن كل ذلك لم يُنسِ المملكة تلمّس حاجات الأشقاء، والاهتمام بمصالح المسلمين حول العالم، ومدّ يد العون للمحتاجين في أرجاء المعمورة، انطلاقا من دور السعودية الكبير ومكانتها الرائدة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ككبيرة العرب والمسلمين، لا سيما أن الدولة المستهدفة بهذا الجهد هي اليمن الشقيق الذي تجمعه بالمملكة صلات القربى والدم والمصاهرة والتاريخ، الذي يعود إلى أزمان سحيقة، فما يجمع بين البلدين الشقيقين يندر أن يجمع بين غيرهما، فهما وجهان لعملة واحدة.

خلال المؤتمر الذي تم تنظيمه بتوجيه مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- لم يقتصر دور المملكة على مجرد تقديم الدعم المادي والعيني للأشقاء اليمنيين، بل إنها قامت بدور أكبر يتمثل في تطويع علاقاتها الدبلوماسية الهائلة مع الدول والمؤسسات المانحة، وتسخير كل أشكال التواصل السياسي والاقتصادي، لحث الآخرين على تقديم الدعم الفوري، والإعلان عن تعهدات مالية لسد الاحتياجات الأساسية هناك، والحصول على التزامات مادية من مختلف دول العالم، لمساعدة المنظمات الدولية على تلبية الاحتياجات العاجلة، ومعالجة المشكلات الإنسانية والصحية التي يمر بها اليمن، بسبب الدور التخريبي للميليشيات الانقلابية التي ترفض إلا الاستمرار في خرق الهدن والاتفاقيات والأعراف والقوانين الدولية.

والمملكة التي اهتمت بالعمل الخيري، منذ توحيدها على يد المغفور له -بإذن الله- الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، باتت في طليعة الدول المانحة على مستوى العالم، وبلغت قيمة المساعدات الإنسانية التي قدمتها خلال العقود الـ4 الماضية 110 مليارات دولار، شملت 90 دولة، وهو ما جعلها الدولة الخامسة على مستوى العالم، والأولى عربيا، في مجال العمل الإنساني، وهي تنطلق في ذلك من منطلقات إسلامية حقيقية، لذلك لم تقتصر إسهاماتها على الدول الإسلامية فقط، بل شملت معظم دول العالم، في إطار الشراكات الفاعلة مع المنظمات الدولية والإقليمية، لإيصال المساعدات إلى مستحقيها. وكل ذلك لتجسيد المعاني الإنسانية وإعلاء قيم التراحم والتعاطف والتكافل المستمدة من تعاليم الدين الحنيف.

ومع أن هذا الدور الإنساني الكبير ظل يتعاظم خلال الفترة الماضية، إلا أن الإنصاف يقتضي القول إنه منذ تأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، فقد اتخذ هذا العمل منحى أكثر تنظيما، فأصبح العمل يتوافق مع متطلبات العصر الحديث الذي لم يعد فيه العمل الخيري مجرد مساعدات مادية وعينية تقدم بين فترة وأخرى، بل أصبح يقتضي مزيدا من التنسيق والترتيب، لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، والتأكد من عدم تضارب الأدوار بين منظمات الإغاثة المتعددة، لتحقيق العدالة في التوزيع، حتى لا تستأثر منطقة دون أخرى بمزيد من العون.

كذلك استحدث المركز جوانب مساعدات أخرى غير مباشرة، تتمثل في محاولة إنعاش اقتصادات الدول المستهدفة، عبر شراء مواد الإغاثة من أسواقها المحلية، وتعبئتها وتغليفها وتحميلها داخل تلك الدول، والاستعانة بمنظمات وطنية لتوزيعها على المستحقين، لإيجاد فرص وظيفية للسكان وتشجيع حركة التجارة.

من أكبر الخطوات العملية التي قام بها المركز خلال الفترة الماضية إنشاء «منصة المساعدات السعودية» كأول منصة شفافة في المنطقة، لتكون مرجعاً دقيقاً وموثوقاً يقدم المعلومات، ويرشد الباحثين ورجال الإعلام والصحافة عن مساهمات السعودية الخارجية، وتم إنشاء المنصة بصورة جاذبة وعلمية تعتمد على الأرقام الدقيقة والإحصاءات الوافية والبيانات الموثوقة، دون اللجوء إلى الحديث ولغة الإنشاء، وهو ما جعلها مطلبا للباحثين عن الحقائق والمعلومات. كما أنها تحقق مبدأ الشفافية الذي تسير فيه المملكة بخطى ثابتة، إذ يتم إثبات كل ريال تم صرفه خلال العقود الماضية، من باب النزاهة والموثوقية.

المنصة -أيضا- توضح بتفصيل كبير أن الدور الخيري السعودي لم يقتصر على مساعدة الدول التي تتأثر بالفيضانات والكوارث الطبيعية والحروب، وغيرها من الأزمات، بل تستضيف على أراضيها قرابة مليون زائر من رعايا تلك الدول مثل اليمن وسورية وميانمار، ممن اضطرتهم ظروف الحرب في بلادهم إلى اتخاذ المملكة ملجأً وملاذا لهم، إذ يتم إعفاؤهم من كثير من الرسوم الحكومية، ويسمح لهم بتلقي العلاج وإلحاق أبنائهم بمؤسسات التعليم العام مجانا.

كما توضح بيانات المنصة الدول المستفيدة من برامج المساعدات السعودية، وعدد ونوعية المشاريع التي يجري تنفيذها.

لكل ما سبق، فإن ما يقوم به مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، أسهم -بدرجة كبيرة- في عكس الدور الحقيقي الذي تبذله المملكة في المجال الخيري، وقدم صورة مشرقة عن بلاد عُرفت بالكرم والمروءة والخصال الفاضلة منذ قديم الزمن، وقيادة حكيمة تنافس نفسها في ميدان الخير والإنسانية.