أوضح إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي أن الناظر إلى حال الدنيا وما يعتريها يجدها تتقلب بأهلها ومن فيها، ما بين عز وذل وسرور وحزن وراحة وتعب وغنى وفقر وصحة ومرض ومسرات وأحزان، وهذه الأحوال المتفاوتة إنما تكون فتنةً للعبد وتمحيصًا له، والحسنات هي النعم من الخِصْب والرخاء والصحة والعزة، والنصر على الأعداء ونحو ذلك، والسيئات هي المصائب، كالأمراض وتسليط الأعداء والزلازل والرياح والعواصف والسيول الجارفة المدمرة ونحو ذلك. وبين في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام أن حكمة الله تعالى اقتضت أن دوام الحال من المحال. وشدد غزاوي على أن أمر المؤمن كلَّه خير كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم، فنفس المؤمن تشكر في السراء، ولا يستخفها حال الرخاء فتتراخى وتنحل، وهي تصبر في الضراء وتتجلد وتتماسك وقت الشدة واللأواء فلا تَضْجَرُ ولا تتبرم، وفي كلا الحالين تتجه إلى الله الذي فطرها، وتوقن أن ما أصابها من مقادير الخير والشر فبإذن الله الذي قدرها. وأوضح أنه في الأزمات ووقت الشدائد يتطلب من المرء اللجوء إلى الله تعالى ففي الضيق تتبدى السّعة، وفي الألم يتجلى الأمل، وفي الكرب يجد المرء مخرجاً، ولو خلق الله الضيق دون سعة والألم دون أمل والكرب دون فرج والحزن دون سرور لضاقت الدنيا بمن عليها وما طاب العيش لمخلوق ورأى أن مما يسلي المرء ويعزيه أن ما يعيشه من السعة والتفريج في الحياة أضعاف أضعاف ما ينتابه أحيانا من ضيق وكرب في حياته. وأضاف: لا يزال لطيفُ صنعِ الله عز وجل بأوليائه وعباده الصالحين يتوالى عليهم في حال الشدائد والكُرَب، فيفرّج كربهم، وينفّس عنهم حيث، كان لهم مع الله معاملةٌ في الرخاء، وإنه مهما يبتلى به العبد من مصيبات الدنيا ويعافى بعدها، أو يبقى على حاله صابرا محتسبا حتى الممات، فإن ذلك الابتلاء يعد هينا يسيرا لكن من أصيب في دينه فهو البلاء حقيقة، والمصاب بذلك هو المصاب. وفي المدينة المنورة ذكر إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم، أن الله حكيم يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره، له كامل الحكمة المقترنة بالعزة والعلم والخبرة والسعة والتوب والحمد، حكمته بالغة تعجز العقول عن الإحاطة بكنهها، وتكل الألسن عن التعبير عنها وبحكمته، قال تعالى (سبح لله ما في السموات والأرض). واختتم إمام وخطيب المسجد النبوي الخطبة بالإشارة إلى أن الله سبحانه بنى أمور عباده أن عرفهم معاني دلائل خلقه وأمره دون دقائقها وتفاصيلها، وهذا مطرد في الأشياء أصولها وفروعها، وما يخفى على العباد معاني حكمته في صنعه وإبداعه وأمره وشرعه وكونه القدري، يكفيهم فيه معرفته بالوجه العام أن تضمنته حكمة بالغة، وإن لم يعرفوا تفاصيلها، وأن ذلك من علم الغيب الذي استأثر الله به.