المجتمعات الواعية هي تلك التي تستطيع تجاوز الأزمات والتغلب ‏عليها من خلال الالتزام بالتعليمات واحترام القوانين الطارئة، وتحمل ‏المسؤولية كجزء فاعل من الحل. إن المجتمعات الواعية هي تلك التي ‏تلفظ الأفكار والمعتقدات الخاطئة، وتسهم في مواجهة التصرفات ‏السلبية في أمور الحياة العامة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بسلامة ‏مجتمع ومقدرات وطن. والمجتمعات الواعية هي التي لا تهمل ولا ‏تفرط في مسألة مواجهة الأخطار، وتبدع في مسائل تجويد الحياة ‏والحرص على المنافع، ولكن علينا أن نتذكر أن المجتمعات مهما ‏كانت راقية ومتفتحة فإنها تحت الضغوط والأزمات قد تفقد قدرتها ‏على التركيز، ويصبح من السهل التشويش عليها لتفقد بوصلة الحكمة ‏وتقع في الأخطاء التي قد تكون كارثية. استسهال المخاطر وتجنب ‏مواجهتها بالطرق السليمة والآمنة قد يجعلنا نقع في أخطاء فادحة ‏وندفع ثمنا لذلك حياة من نحب ونعيش لأجلهم. أحيانا كثيرة نجد أن ‏قدرة العقل البشري على القيام بتحسس المخاطر وتجنبها قد يصيبها ‏الجمود والضعف، وهنا لا بد لتلك العقلية من مراجعة النصائح ‏والبروتوكولات والتحذيرات والتمشي بها. لا نختلف أن الإجراءات ‏التي اتخذتها الدولة من حظر وتباعد اجتماعي وإغلاق للمدارس ‏والجوامع قد أسهم بشكل كبير في محاصرة الوباء والسيطرة عليه، ‏ولكن في المقابل كانت الجهات المعنية تسجل مخالفات لخروقات ‏وتجاوزات لتلك الإجراءات، وجميع تلك التجاوزات هي تصرفات ‏غير مسؤولة تدل على قصور في استشعار المخاطر. ومع انقضاء ‏فترة الحظر والعودة للحياة بحذر فإن أهم ما تمت ملاحظته هو عدم ‏تقيد البعض بالتعليمات والإرشادات المطلوبة لمواجهة الوباء ‏والسيطرة عليه، فالزحام شديد والتباعد غير مفعل، ولبس الكمام لم ‏يصبح بعد ثقافة سائدة في جميع أطياف المجتمع. وبناء عليه ومع ‏الأسبوع الأول لرفع الحظر تم تسجيل ارتفاع ملحوظ في عدد ‏الإصابات وفي نسب إشغال أقسام العناية المركزة، لا سيما بالمدن ‏الكبرى ليدق ناقوس الخطر مرة أخرى ويعيدنا ربما للمربع الأول، ‏من حظر وإقفال للجوامع، وتقييد لأوقات الحركة والتجول، ويثبت بما ‏لا يدع مجالا للشك أننا مجتمع يعتمد اعتمادا كليا على الدولة حتى في ‏أمور سلامته، وأننا لم نصبح بعد شركاء فاعلين في تحمل المسؤولية ‏لمواجهة المخاطر والتصدي للأزمات.‏

عند حدوث الأمور الطارئة والأزمات الخانقة يجب ألا ننظر للأمور ‏من خلال ثقافتنا ومعرفتنا، والتي غالبا ليست كاملة وإنما يجب ‏مواجهة تلك المخاطر من خلال احترام نظرة الخبراء وتوصياتهم، ‏وأن ننهج منهج التثقف المتجدد مع كل أزمة بما يتناسب مع تلك ‏الأزمة ومراحلها وخطورتها. يجب علينا ألا نتحمس لرغباتنا ‏ومشاعرنا، وألا نفقد توازننا، وألا نغلب عواطفنا، وألا نغمض أعيننا ‏عن أي آراء ومقترحات وتوجيهات قد نراها مخالفة وغير متناسقة ‏مع أهوائنا ورغباتنا.‏

النفس البشرية بطبيعتها لديها مشاعر وعواطف ورغبة في عدم ‏الالتزام بالإجراءات الطارئة وتقييد الحركة، ولكن علينا أن نتذكر أن ‏تأثير المشاعر على العقول والأنفس قد يكون كارثيا، ويجعل المجتمع ‏تحت وطأة المخاطرة والخطر، ويجعل النظرة للوضع العام تشاؤمية، ‏وبناء عليه فإن أصابع الإدانة ستتجه لتلك الشرائح المجتمعية التي ‏تقاوم الالتزام، وتتسبب في شرخ كبير لمنظومة الأمان والتصدي ‏للوباء.‏