في إحدى الدول الأوروبية عام 2013، أنتجت شركة شوكولا، إعلانا فريدا لها على هيئة توفير منطقة للجلوس في الأماكن العامة وسمتها (منطقة للجلوس مع توفير قطع الاتصال بالإنترنت مجانا)، وذلك لحث الناس للحديث والتواصل مع بعضهم البعض، والتمتع بأي شيء «غير الجوال الموصول بالإنترنت» حتى ولو كان أكل الشوكولا مثلا. إن كان هذا ما تعانيه الحياة العامة في أوروبا قبل ثماني سنوات تقريبا، رغم أن أوروبا بشكل عام تهتم كثيرا بتوفير الخصوصية والحماية من الإيذاء الجسدي والنفسي ومحاربة التنمر وفرض مزيد من خيارات الرقابة الأبوية على محتويات الإنترنت، وتهتم بفرض العقوبات على من لم يتقيد بوضع الرموز الخاصة التي توضح الأعمار المناسبة لهذا البرنامج أو اللعبة أو حتى الفيلم. فما رأيك -عزيزي القارئ- بما نعانيه هنا وهذه الأيام مع أبنائنا وبناتنا وحتى زوجاتنا «مربيات الأجيال»، مع هذا التوسع اللامحدود لباب فتح على مصراعيه للجميع بلا استثناء من الطفل في المهد، والذي لا يصل عمره إلى السنوات الثلاث تقريبا إلا وهو قادر على الدخول على متجر التطبيقات لانتقاء ما يناسبه من تطبيقات استهوته شعاراتها ولا يعرف عنها غير ذلك، وكذلك الأم التي تشابهت مع طفلها في طريقة الوصول للتطبيقات وعدم معرفة أي شيء عنها إلا أن شعار التطبيق «مره وااااااو»، حتى أصبح من أساسيات حياة أبنائنا، ولا بد منها ليبقى يتنفس وعلى قيد الحياة «جوال ونت مفتوح»، و«عقل مربي منطوح»، و«رأس مراهق منفوخ» و«الحياء مفصوخ» فكيف ستكون النتيجة لهذا الانفتاح؟.

وقد يظهر جزء مما نعانيه في فيلم قصير صور بجهاز شخصي لعائلة في كيرلا بجنوب الهند، ويظهر فيه الأب وهو يهدي ابنته الكبرى (جوالا) بعد أن تفوقت في المدرسة، وصور حالها قبل «الهدية الكارثة» وبعدها، وكيف أنها أهملت كل شيء تقريبا في حياتها ولم تعد تشعر بما تقوم به، وصور طريقة تقديمها الأكل لأخيها الأصغر بإدخال الملعقة في أذنه وتضربه بعدها لأنه لم يفتح أذنه ليأكل بها، وكيف أن أخاها هذا يغيب عنها أثناء ذهابهم للمدرسة، حتى إنها عادت إلى البيت وقد تركته يعود وحيدا، و..... و...... من المشاهد التي نراها يوميا في بيوتنا ونقول «ما لنا إلا الصبر». خلاصة القول: إنه مهما كانت نسبة استخدام أحدنا لجواله منذ أن أصبح ملونا «من أيام جوالات الفيصلية والمملكة»، ونحن نخصص جزءا من يومنا لنغيب عن الوعي تقريبا في حضرة أجهزتنا، والغيبوبة الفكرية والمشاعرية وغيبوبة الإحساس تزداد يوما بعد يوم كلما ازداد حجم الشاشة المحمولة ودقة عرضها، حتى إنه في المعدل العام أن تجد شابا جامعيا يقضي من وقته يوميا ما لا يقل عن 11 ساعة تقريبا في هذه الغيبوبة وعدم الإحساس بما حوله من حياة، ويريد أن يشعر بمسؤوليته تجاه نفسه وأسرته ووطنه، ولكن لا مفر لنا من الاعتراف بالعلاقة الوثيقة بين (الجوال الملون والحياة الباهتة).