لعلنا نتفق -بدايةً- أن منصة «تويتر» ليست المكان الأمثل للحكم على الشخصيات، لكنها منحتنا -بلا شك- فرصة الاطلاع بشكل ما على ما تنطوي عليه الرؤوس من أفكار. فالمرء في عصرنا هذا مخبوء في تغريداته وتفضيلاته.

ومن محاسن الإنسان المتفق عليها، أنه لا يمكنه التظاهر مطوّلا، مما يجعل إخفاء مكنوناتنا في منصة متجددة بتوالي التغريدات وما يصاحبها من ردود وتفاعل، مهمة شبه مستحيلة، خصوصا مع وجود هرمون الدوبامين وتحفيزه أدمغتنا، عند إنجازنا أمرا ندمن عليه.

فإذا اعتبرنا تنبيهات «تويتر» من تفضيل وإعادة تدوير والردود، منبها ومحفزا، فإن المغرد -المثقف وغيره- يبحث عن مزيد من المكافآت عبر مزيد من الاتصال مع متابعيه بالتغريد، وما يتبعه من تدوير وردود واقتباس، ليشعر بتلك الفرحة اللحظية المنعشة. هذه التنبيهات المتكررة قد تقود صاحبها إلى إدمان لا تحمد عقباه، وقد تخلّف سقطة أو سقطات لا يرتفع بعدها المرء حتى أمام نفسه.

من مخاطر «تويتر» -ومحاسنه أيضا- أن كشف لنا درباوية بعض مثقفينا، فهم يتقاطعون كثيرا مع سلوك الدرباوية المميز في الشللية والتجمع، بل والتفحيط مطولا حول فكرة ما، خصوصا عند اختلافهم مع من يطرحها، أما عند الاختلاف فقد أظهر لنا بعضهم ما غفلنا عنه في شخصيته من غياب مروءة الاختلاف، فقد رأينا من يهرع مباشرة لمناقشة الشخص لا الفكرة، مع أننا نعرف أن الحكمة دائما تستدعي مناقشة الفكرة وعزلها عن شخوصها ما أمكن، والسعي إلى إيقاد الأسئلة لا لطرح الأجوبة المعلبة الخالية من المعنى.

أظهرت معارك «تويتر» -أيضا- بيادق متعددة الاستخدام تتحرك بخفة لا تحسد عليها على رقعة الطائر الأزرق، وتتجلى مهمتهم حين يأنف المغرد الفذّ من الرد مباشرة على تغريدة موجهة إليه، فيستدعي متابعيه، كما يستدعي الدرباوي جماهيره، عبر التدوير أو الرسائل الخاصة، ليهاجموا من تجرؤوا على بلاطه التويتري اللامع.

«تويتر» بمدوناتها -القصيرة والسريعة- منحتنا فرصة اكتشاف نماذج مميزة لا تقل روعتها في السر عن روعتها في العلن، وكشفت لنا كذلك كثيرا مما كان مخبوءا في الكتب واللقاءات المسجلة للبعض الآخر، فلا وقت في «تويتر» للمراجعة وإعادة التسجيل وقراءة السيناريو، وهذا إلى حد ما جيد لكشف الأقنعة وسبر الأغوار وكسر الرمزية الكاذبة.

ولعل «تويتر» ساعدت فعلا في هدم بعض الأصنام الثقافية، لكنها كذلك أظهرت جانبا درباويا خفيّا يتشح علنا بالحكمة، ويشجع علنا -كذلك- التطاول على الغير في الوقت نفسه، وكأن الغاية صارت فجأة تبرر الوسيلة، فأي وجهيك تريدنا أن نصدق اليوم أيها المثقف؟!