أبشركم أنني استطعت إكمال أحد الفيديوهات المسجلة والمكررة منذ زمن «قريح»، على الشاشات المعلقة داخل طائرات الخطوط السعودية، والتي تتكرر طوال الرحلة، ورغم أنني شاهدت أجزاء من هذا المقطع أكثر من 100 مرة أو بمعنى أصح على كل رحلة ركبتها خلال هذا العام، إلا أن عقلي لم «يشتغل مونتاج» ويجمع هذه المقاطع ليخبرني عن نهاية هذا الفيديو.

لم أكمل أيا من هذه الفيديوهات لأنه بمجرد جلوس الراكب بجانبي، أفتح معه «أي سالفة» كي أمهد لـ»فزلكاتي»، وبحار العلوم التي من الله بها علي، لأخبره بآخر اكتشافاتي وكيف توصلت إلى أن البطيخة هي نفسها «الحبحب»، والأغرب والأنكى أنها نفسها «الجح»، وأنه في بحث مطول ومن مصادري الخاصة والسرية أنها «الرقي» عند إخواننا الكويتيين.

لكن ببركات كورونا تم إغلاق الكرسي الذي بجانبي على رحلتي الأخيرة تطبيقا للإجراءات الاحترازية التي تطبقها الخطوط السعودية مشكورة على رحلاتها، وبهذا ارتاح الراكب الذي بجانبي من «صداع الرأس»، ولأجل ذلك تمكنت أخيرا من متابعة هذا الفيديو كاملا والذي يصور أحداث ما قبل وأثناء خوض بطلي العالم في الملاكمة لنزال جمعهما لينتزع أحدهما من الآخر رقما قياسيا عالميا في هذه اللعبة، وبعدها يتوقف أحدهما عن مسيرته الرياضية بعد هذا النزال، وهو (فلاديمير كليتشو) من أوكرانيا والبالغ 41 عاما، والذي ينازل (انثوني جيوشا) والذي ما زال بالعشرينات من عمره.

المهم أن الأحداث واللكمات وعرق الجبين الذي يندى توالت، حتى انتهى النزال وفاز هذا الشاب العشريني على هذا البطل صاحب الخبرة والألقاب، وتم عمل لقاء بينهما ليسأل كلاهما الآخر، ولكن الشاب هذا يعلم أن الملاكمة والرياضات بشكل عام، ماهي إلا أدب وذوق واهتمام وطموح يوصل للشغف يوما، فكان سؤاله لصاحب الخبرة هذا، ماهو أهم ما في مسيرتك هذه وماهي النصيحة التي تسديها لي خصوصا وأنك صديق لوالدي وأنا في منزلة ابنك، فرد عليه قائلا: (أهم ما في مسيرتي خلال عشرات الأعوام الماضية حدث في لقائي البارحة معك، وهو أنني أنهيت الجولة الختامية بيني وبينك ولم أسقط أرضا، بل أعلنت استسلامي وأنا واقف على قدمي، وأهم ما حدث لي أنني أشعر بالسلام حينما (أنهيت مسيرتي وأنا واقف على قدمي).

نظرة للسماء: نكافح في حياتنا، نبارز لقتال تحدياتها، ونتلقى اللكمات من هنا وهناك، نراوغ أحيانا، وتلقفنا اللكمات أحيانا أخرى، ولكن هل سننهي نزالنا مع تحديات الحياة ونحن واقفون أمام أمواجها العاتية على أقدامنا؟ رافعين رؤوسنا، ملهمين بذلك من حولنا، وقوف الهدوء، وننقل كلماتنا لمن يسألنا عن أهم ما في حياتنا وهو أننا نشعر بالسلام.