أحيانا نكون في حيرة من أمرنا ونحن ننظر إلى بعض العقول التي لديها قدرات قد تكون كبيرة في تضخيم الأشياء الصغيرة، ونقلها إلى مرحلة الشعور والوعي والاهتمام المجتمعي. فتحظى تلك الحوادث العرضية (والتي تقع بكل أنحاء العالم) باهتمام ومتابعة. وعلى الجانب الآخر لتلك العقول أيضا لديها القدرة على تقزيم الأحداث الكبيرة والمهمة، فتحاول الإيحاء للمجتمع، غض الطرف عن تلك الأحداث العظيمة وكأنها لم تكن يوما موجودة. تلك العقول التي لا ترى سوى النقطة السوداء في تلك الصفحة البيضاء، تجد صعوبة في استيعاب الواقع والاعتراف به، فتنهج تفتيت الحقائق والتلاعب بالمصطلحات أملاً في الوصول إلى عزل شريحة كبيرة من المجتمع عن الواقع. إن طبيعة تلك العقول هي الاحتفاء بالشاذ الذي يمثل قيمهم وأخلاقهم وأحلامهم، تلك الأحلام التي لم تتعب ولم تمل في محاولة النيل من وطن كبير ومجتمع عظيم.

تلك العقول المريضة ما زالت تلفظ الحق والحقيقة، وتتهرب من الاعتراف بفضل الدولة، وتميل إلى التعامل مع المشبوه، والتقاط الأحداث الفردية، وتصويرها على أنها المرآة الحقيقية التي تعكس واقع المجتمع وحقيقته. إن الاستماع لتلك الأفكار الشاذة، والتي قد تسهم في بناء بعض التصورات الخاطئة، يسبب ضررا كبيرا في نسيج المجتمعات، ويجعل البعض ينجرف من دائرة الوعي والعقل والمعقول إلى دائرة الشك وغيبوبة العقل واللا معقول.

تلك العقول المريضة لم تفهم بعد أن هذا المجتمع قد أخذ حيطته وحذره من كل المخاطر التي تحيط به، وأن الانجراف وراء تلك الأفكار القبيحة قد يتسبب في معاناة المجتمع وهبوطه إلى منزلة الشقاء التي نراها حلت بمجتمعات مجاورة، ولم يستطيعوا الخلاص منها أو العودة إلى ما كانوا عليه. تلك العقول المريضة لم تعلم بعد أن هذا المجتمع قد حصن نفسه بالمنطق الذي عصم عقولهم وأفكارهم من الوقوع في الخطأ والزلات السياسية. تلك العقول المريضة ما زالت تجهل أن الله -سبحانه وتعالى- قد وهب هذا المجتمع قدرة على استشفاف الأخطار واستدراكها، فعزل نفسه عن تلك الأحداث التي جلبت الموت والدمار لمجتمعات عربية وإسلامية انجرفت وراء أبواق الخراب وخطط الدمار. تلك العقول المريضة يمكن أن تنال من تلك المجتمعات التي تعاني الجمود والجهل وعدم المعرفة، ولكنها قلّما تؤثر في المجتمعات الواعية والمتفتحة والمتماسكة بحب وطنها وولاء قيادتها. إن تلك الأفكار المريضة يمكن أن تؤثر في المجتمعات المريضة، ولكنها محدودة الأثر في المجتمعات التي أصبحت تنظر إلى كل الأمور المحيطة بها بدقة وموضوعية.

الحوادث العرضية تحدث في كل مكان، فهناك طائرات تسقط، وقطارات تتحطم، وحرائق تشتعل، وبنايات تسقط، ولا نجد كل هذا الضجيج، ولكن مع كل حادثة عرضية في هذا البلد يرتفع صوت الغوغاء الذي يتولد منه كثير من الأكاذيب والضلالات.

وأخيرا، إن تهويل الأحداث العرضية هو خطأ على مستوى التفكير، وعلى مستوى الأخلاق، وعلى مستوى الأمان، وهو انعكاس لطغيان الكراهية على العقل والمنطق، ويعكس اختلالا لتلك الفئة التي لم تستقم بعد.