كلما ازداد الإنسان بدرجات علمه وسنوات خبرته، ورزقه الله معهما التوفيق والإعانة، فإنه سيتحلى بالحكمة الشاملة في صمته، وكلامه بلسانه أو بنانه، وحتى أفعاله من سكناته.

ولذا تجد الذي يستمر في التعلم والوعي كما قيل (من المهد إلى اللحد) و(مع المحبرة إلى المقبرة) سيكون هو أول الناقدين لنفسه، لأنه يرتقي «درجات» فيرى مكانه بالأمس أقل من يومه الثاني، فينقد ذاته قبل أن ينقده غيره وقبل أن ينقد هو غيره.

وأما الذي يتوقف عن الرقي العلمي والثقافي فيكون قد تخلف، لأن عجلة الحياة تجري بسرعة، ولذا تراه ينزل «دركات» في الجهل بأنواعه المفرد والمركب و«المكعب» الذي اكتشفته مبكراً.

فالجهل المفرد هو «الجاهل ويدري أنه جاهل»، والجهل المركب هو «الجاهل ولا يدري أنه جاهل»، والجهل المكعب هو «الجاهل ولا يدري أنه جاهل ويجهل الناس»، وربما نكتشف جهلا «مربعا» وما بعده في ظل تفاقم الجهل المتراكم.

وعليه فمن الحكمة أن تعرف متى تصمت ومتى تتكلم، ومتى تقف ومتى تتحرك، وتنسى ما لا أهمية له، وتتناسى ما لا أولوية فيه، وتركز على ما فيه صالح دينك ودنياك.

والعيش في هذا الكوكب الفسيح بخيره وشره يفرض عليك أن تتغافل أحياناً وأنت قادر، وتتجاهل مرات وأنت عارف، ولكن لا تتذاكى وأنت غبي، لأن الذكي هو الذي يتغابى وأما الغبي فهو الذي يتذاكى فيسقط في شر غبائه.