مع بزوغ جائحة كورونا (كوفيد - 19) بداية هذا العام والأنظمة الصحية تعاني ارتباكا كبيرا على مستوى الكرة الأرضية لعدة أسباب، ولكن من أهمها كان الانتشار السريع لمرض كورونا المستجد وعدم الاستعداد الكافي من طواقم طبية ومعدات للحماية وأجهزة كافية للعنايات الحرجة.

محليا تعاملت حكومة خادم الحرمين الشريفين بديناميكية عالية مع الجائحة، واتخذت قرارات سريعة منذ بداية الأزمة أدت إلى تخفيف انتشار المرض، وكسب الوقت للتهيئة والاستعداد والتحضير للمواجهة الكبرى مع الفيروس، وتشير الأرقام إلى أن السعودية هي من أقل الدول بالعالم في مجموع الوفيات التي ما زالت تحت 1 %، وسوف تبقى -بإذن الله- تحت هذا الرقم حتى خفوت الجائحة.

كانت وما زالت العنايات الحرجة هي العمود الفقري للأنظمة الصحية، وأثبتت هذه الأزمة أن العنايات المركزة هي آخر القلاع الحصينة ضد الجوائح، ولو سقطت نتيجة الضغط الكبير سنرى نسبة وفيات عالية جدا مثلما حصل بدول كثيرة، منها إيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة، ناهيك عن زيادة الطلب العالمي على الأسرة بالعنايات الحرجة، حيث تشير الأرقام إلى أن نسبة من تجاوز الـ65 من العمر في عام 2025 سوف تصبح 17 %من النسبة العالمية للسكان، وسوف يزيد ذلك في عام 2040 لكي يصبح حوالي 19 % من عدد السكان بالعالم (أي ما يقارب المليار ونصف المليار) في ذلك الوقت. ومن البديهي أن زيادة الأعمار تؤدي بشكل مباشر إلى زيادة الضغط على العنايات الحرجة عالميا. وحتى نعمل على التحضير للمستقبل القريب والبعيد علينا القيام بعدة خطوات لبناء نظام صحي يقوم على وجود خط دفاعي قوي متمثل في أقسام العناية الحرجة:

1 - إكمال المشروع الناجح بخصخصة العناية الحرجة والذي كان من الأسباب الرئيسية في زيادة عدد الأسرة وقت الجائحة.

2 - تشغيل برامج العناية المركزة عن بعد، بحيث يكون هناك مركز قيادة لهذا البرنامج في كل منطقة ويتصل به جميع العنايات الحرجة، ويوجد به استشاريون على مدار الساعة.

3 - تجهيز وتشغيل ما لا يقل عن 1000 سرير عناية حرجة قبل بداية فصل الشتاء القادم، خاصة بمدن مكة وجدة والمدينة المنورة.

4 - زيادة عدد البرامج الاستيعابية لتدريب التمريض في تخصص العناية الحرجة.

5 - استحداث مسار إداري منفصل يرتبط مباشرة بصانع القرار لإدارة أقسام العناية الحرجة والطوارئ بمستشفيات وزارة الصحة.

6 - النظر بجدية إلى مميزات هذا التخصص النادر والذي لا يقارن بغيره من حيث الضغوط النفسية والعملية والأسرية لاستقطاب النشء الجديد من الممارسين الصحيين للانخراط به.

في الأزمة الكورونية أصبح سرير العناية المركزة والجهاز التنفسي يساوي كثيرا. في بعض الدول كان الطبيب مجبرا على الاختيار بين المرضى لإعطائهم الأولوية بالعلاج، وترك الباقي للتهلكة لعدم توفر الإمكانات الكافية، وبعد الأزمة العالمية تعلم الجميع من شرق الأرض إلى غربها أن تأمين جهاز تنفسي أهم بكثير مما يتم إنفاقه على الصراعات السياسية والسباق على الفضاء والأسلحة المدمرة، وعلى ما يتم هدره بالترهل (الإداري) بالمستشفيات، وعلى ورش عمل (تطوير الذات) وتأهيل (المديرين) الذين لا يمكن تأهيلهم، أو ما يتم إنفاقه (محلياً) على مسلسلات عجائز (الدراما العربية) وبرامج رياضية همها الوحيد (قرع الطبول).