تركيا أصبحت أكثر الدول انتهاكا لحقوق الإنسان، وأنقرة تبتعد كل يوم عن المعايير الأوروبية، والرئيس التركي لا يعير أي اهتمام لمعاناة مواطنيه، وأن الحكومة التركية تمارس القمع بكل ما تعنيه الكلمة بحق مواطنيها.

هذا هو تقييم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان«ECHR» بعد أن ارتفع عدد شكاوى الأتراك بحق حكومتهم لأرقام قياسية شملت كافة أبناء الشعب التركي من مدنيين وعسكريين، هذا المشهد الإنساني المأساوي في تركيا دفع المنظمات والمؤسسات الدولية الأخرى، مثل المجلس الدولي لحقوق الإنسان، ومنظمتي هيومن رايتس ووتس، والعفو الدولية، إلى إصدار تقارير أكدت فيها الانتهاكات الخطيرة التي ترتكبها تركيا بشأن حقوق الإنسان ليس بحق الإنسان التركي، لكن أيضا بحق شعوب أخرى مثل الشعب الكردي شرق سورية، فكيف سينعكس هذا على صورة تركيا في الخارج؟ وما خيارات الشعب التركي لمواجهة هذه الموجة غير المسبوقة من انتهاكات حقوق الإنسان؟ وكيف للمؤسسات الدولية وفي مقدمتها المحكمة الأوروبية أن تفضح الرئيس التركي الذي يتغنى يوميا بحقوق الإنسان ويعتريها ذريعة للتدخل في شؤون الآخرين؟

الأرقام لا بد أن تترك لك علامة على الباب كما يقول المثل الأمريكي الشهير، فخلال العامين الماضيين بلغ عدد السجناء 360 ألف سجين، وزاد عدد السجناء في كل زنزانة من 6 سجناء قبل عام 2002 إلى 35 سجينا حاليا، حسب بيانات حصلت عليها المحكمة الأوروبية من منظمات حقوقية تركية مستقلة، كما تعكف وزارة العدل التركية على إقامة 193 سجنا جديدا، لينضم لعدد 580 سجنا تركيا في الوقت الحالي، وخلال الفترة بين عامي 2006 و2019 افتتحت السلطات التركية 166 سجنا جديدا، ومن المنتظر أن يتم الانتهاء من كل هذه السجون بحلول عام 2021 على أن تصل تكلفتها إلى 4 مليارات و59 مليون ليرة، وتشير معلومات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى أنه منذ إنشاء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، نظرت 66251 دعوى لانتهاكات حقوق الإنسان تحتل تركيا المرتبة الأولى في عدد الدعاوى المنظورة لدولة واحدة بنسبة 16 % من جميع الدعاوى ضد الدول الأعضاء، حيث إن هذه النسبة تمثل 10638 دعوى ضد تركيا، وجدت فيها المحكمة الأوروبية انتهاكا من جانب نظام إردوغان في 7255 قضية بنسبة 68 %، كما أن تركيا تحتل المرتبة الأولى أيضا في الدعاوى القضائية المنظورة أمام المحكمة الأوروبية التي تنتهك حرية التعبير والرأي بواقع 1300 دعوى، حيث وجدت فيها المحكمة انتهاكا للمادة 10 (الخاصة بحرية الرأي والتعبير) في 1072 دعوى منها، بنسبة 82 %، وهو ما يخالف الأعراف والمواثيق الدولية، خاصة المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كما تحتل تركيا المرتبة الأولى عالميا في سجن الصحفيين، فقد وصل عدد الصحفيين المحبوسين في السجون التركية حتى آخر أغسطس 2019 إلى 88 صحفيا، وهو ما يجعل تركيا أكبر سجن في العالم للصحفيين، كما أن التقرير الصادر عن المحكمة الأوروبية أكد انتهاك تركيا المادتين السادسة، والعاشرة من مواد حقوق الإنسان المتعلقة بالاتفاقيات والتعهدات التركية بشأن حقوق الإنسان، حيث قتل أكثر من 1320 سجينا داخل السجون التركية خلال عام 2019 بسبب الإهمال المتعمد من السلطات التركية، كما كشفت تقارير صادرة عن لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي أن 25 طفلا تعرضوا للضرب داخل سجن سينجان للأطفال، بالإضافة إلى وفاة 3 أطفال في سجن بوزانتي، و4 أطفال في سجني أزمير وأنطاليا خلال العام الماضي، وتشير معلومات المحكمة الأوروبية إلى أن سجن سيليفري أصبح يعاني من حالة ازدحام شديد بعد أن وصل أعداد السجناء إلى 39 سجينا في غرفة تتسع 5 أفراد، وتبلغ مساحتها 3 أمتار فقط في ظروف قاسية دون اعتبار لحقوق السجناء، وقد أكد ودعم هذه الحقائق شهادات عدد من السجناء الذين خرجوا من السجون تحت ضغوط دولية، مثل القس الشهير أندرو برونسون الذي كشف في تصريحات صحفية عقب خروجه من السجن أنه كان محتجزاً في زنزانة بها 28 سجيناً في غرفة بسعة 6 أشخاص، وهو ما أدى إلى تلطيخ صورة تركيا على المستوى الدولي، وباتت دولة منبوذة ومرفوضة من دول الاتحاد الأوروبي، حيث لا يمكن بعد كل هذه الانتهاكات أن تفكر تركيا في دخول النادي الأوروبي، خاصة بعد رفض تركيا الإفراج عن زعماء المعارضة، آخرهم رجل الأعمال التركي البارز عثمان كافالا الذي وصفت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ظروف اعتقاله بأنها تمهد للقتل، وهو الأمر الذي دفع البرلمان الأوروبي لفرض عقوبات على الدائرة المقربة من الرئيس إردوغان الذين يتهمهم البرلمان الأوروبي بالعمل ضد حقوق الإنسان، بالإضافة لعقوبات اقتصادية منها منع البنك المركزي الأوروبي من منح قروض لتركيا حتى يتغير سجلها الشائن بحقوق الإنسان

ولم يكتف إردوغان بسجن وتعذيب الآلاف من الشعب التركي، لكنه ارتكب مجازر وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الأكراد في شمال وشمال شرق سورية، الأمر الذي دفع المحكمة الأوروبية لتطالب بتحقيق كامل ومستقل في هذه الجرائم، خاصة عمليات التهجير القصري لسكان مناطق تل أبيض ورأس عيسى وإحلال سكان آخرين من مناطق أخرى بدلاً منهم، وهي جريمة من جرائم الحرب تنظرها حاليا المحكمة الأوروبية.

الانتهاكات الإردوغانية بحق كل إنسان تركي وتحول البلاد لسجن كبير، أدت لتراجع حاد في الاستثمارات الخارجية في الاقتصاد التركي، وتراجع الليرة لمستويات قياسية مع زيادة معدلات الفقر والتضخم، وهو ما دفع إردوغان «للهروب للأمام» بإرسال قوات ومرتزقة إلى ليبيا، سعيا لخداع الشعب التركي الذي أكد في آخر استطلاع للرأي أنه يريد زعيم المعارضة أكرم إمام أوغلو رئيسا جديدا للبلاد بدلا من إردوغان.