يمثل المدعي العام في أي قضية وجهة نظر النيابة العامة التي أناط بها النظام حماية المجتمع، ويتلخص دوره في توجيه الاتهام وجمع الأدلة والرفع للقضاء بنتائج التحقيقات.

ولكن عمل المدعي العام كأي عمل بشري قد يشوبه الخطأ أو النقص أو ترجيح أقوال مضللة يعتقد أنها الأقرب للحقيقة. ثم يتبع ذلك تقديم الشخص الخطأ للمحاكمة. ولا شك أن القضاء مستقل ويمنح المتهم الفرص كافة للدفاع عن نفسه. ولكن تبقى قناعة المدعي العام ودفعه باتجاه الاتهام ذات تأثير في مجريات المحاكمة.

من هنا وجب أن يكون لدى النيابة آليات ودوائر رسمية للمراجعة، وهذا من جهة يتماشى مع الشريعة الإسلامية التي من مقاصدها عدم التشوف للتجريم بشكل عام، ومن جهة أخرى فهذا الإجراء يتوافق مع الخبرات العالمية في هذا المجال. ولعلنا هنا نذكر التجربة الأمريكية، حيث قام الادعاء العام في عدد من الولايات بفتح ملفات قديمة لمحكومين تمت إدانتهم بأحكام نهائية، وتمت تبرئتهم بعد مضي سنين عديدة في السجن، وذلك بعد إنشاء دوائر نزاهة الأحكام واعتماد تحليل DNA في الاستدلال. تولت خلالها مكاتب الادعاء العام الأمريكي الدفاع عن المحكومين بعد دراسة القضية واستنتاج احتمالية براءتهم.

دوائر نزاهة الأحكام تدخل ضمن اختصاص النيابة العامة، ومهمتها مراجعة عمل المدعين العامين وفق ما يستجد من أدلة أو طرق للبحث، كما يناط بها استقبال طلبات المراجعة من المتهمين أو ذويهم وإن بعد صدور الأحكام النهائية من القضاء بإدانتهم، إذا وجد ما يستدعي إعادة فتح القضية. وذلك انطلاقا من دور النيابة العامة في حماية المجتمع بما في ذلك المتهمين والمدانين، فلا يغلق ملف القضية إن كان هناك أدنى شك في أن التهمة وجهت لشخص بريء، أو حتى إن وجد أي خطأ أو تقصير في الإجراءات سواء في مرحلة الضبط أو الاستدلال أو التحقيق.

والخطأ في الاتهام هو خطأ مركب فعندما يوضع البريء خلف القضبان، يترك المجرم طليقا ناجيا بفعلته.

إن دوائر نزاهة الأحكام هي قنوات تصحيحية، وفي حال وجود أخطاء في أي قضايا قديمة فإنها تتولى ابتداء تقديم طلب إعادة النظر للقضاء، وتتخذ مباشرة دور الدفاع عن المحكوم عليه المدان، وإظهار ما استجد من أدلة. فيتكامل دورها مع دور المدعين العامين لضمان تحقق العدالة والنزاهة الكاملة.