أنت مخير في أن تذهب إلى مطعم صغير ليصنع لك وجبة بشكل سريع، يسد بها جوعك، ويكون الطاهي في هذا المطعم هو المحاسب ومقدم الطعام وكل شيء، فتكون هذه الوجبة كفيلة بإشباعك وإقناعك، فهي ذات منفعة صحية ومقدمة بطريقة مقنعة، وذات جودة حقيقية على الرغم من تواضع إمكانياتها. وبما أنك مخير فقد تذهب أيضا إلى مطعم كبير فاخر، له جيش من الطهاة ومقدمي الخدمات والمستقبلين ورفاهية المكان، ليقدموا لك أطباقا مختلفة وأشكالا متعددة وبنكهات متنوعة، فتنبهر بذلك وتكون أحد الزوار لهذا المطعم، ولكن في الوقت نفسه ستفاجأ بأن هذا المطعم يختار أسوأ أنواع المنتجات، وتلك المنتهية الصلاحية، ويخدع الزبائن بالأكاذيب والتضليل، فيفقد المصداقية مع مرور الوقت، وسرعان ما ينهار هذا الصرح القائم على الخداع، هذا الأمر وبكل أسف هو واقع وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي. فكما أن الناس تحتاج إلى الطعام، فهي تحتاج أيضا إلى المعلومات والأخبار والحقائق، فالمطاعم الكبرى هي وسائل الإعلام الكبرى بكل أدواتها، وتقف خلفها دول بإمكانياتها المختلفة، والمطاعم الصغيرة هي وسائل التواصل الاجتماعي من تويتر وفيس بوك وغيرها. ويكون خلفها في أكثر الأحيان أشخاص وأفراد بإمكانيات محدودة، ولأن الأساس في هذه الوسائل تزويد الناس بأكبر قدر من المعلومات الصحيحة، والحقائق الواضحة، ورفع مستواهم الفكري، ومخاطبة العقول بالحجج الحقيقية، لا الغرائز، وكما أوضح المفكر الأمريكي «نعومي تشومسكي»، أن وسائل الاتصال أصبحت أداة أساسية للسيطرة، وأن بعض هذه الوسائل تشترى من قبل الأثرياء، ليطوّعوا الحقيقة لصالحهم. وبما أن هناك مرتزقة من الإعلاميين جاهزين لبيع أخلاقياتهم، فالسوق سيكون مناسبا لهم، وهذا الأمر يجعل بعض القنوات تجيشهم وتحاول أن تلعب بالعقول وتضخم الأحداث وتثير القضايا، وتلعب على المتناقضات لتشتيت العقول، وتستخدم إستراتيجية صناعة الموافقة (manufacturing consent) فمصانع العلاقات العامة والمرتبطة بالإعلام تنتج وبالمعنى الحقيقي للكلمة (الموافقة والطواعية). إن الفرق الوحيد الذي يجعل الناس تؤمن بما يطرح في المطابخ الإعلامية، هما عنصران مهمان، الأول هو المصداقية والآخر هو الحيادية. وحتى نتمكن من فهم هذين العنصرين لا بد من الإجابة عن سؤالين، هما لماذا؟ ولمن؟، فعندما تنتج قناة الجزيرة برنامجا ذا تكلفة عالية ومدة طويلة من إعداد ومونتاج وسفر وبمرتزقة مدفوع لهم مبالغ مالية، لأنهم يقتاتون على الصراعات حينها، سنعلم أن السبب لهذا البرنامج هو إقناع الناس بالأكاذيب والضلالات وإثارة الفتن، والاعتماد الكامل على الخداع والتزييف والإيهام، ونشر أخبار ومعلومات كاذبة، ويكون المستفيد من هذا كله الدولة الراعية لهؤلاء المرتزقة، وهي قطر، حينها نعلم أن كل تلك المساحيق الإعلامية ستزول بأول صفعة من شخص وطني يرد على برامجهم المشوهة، ويفند أكاذيبهم من خلال مقطع لا يتجاوز دقائق معدودة، وبإمكانيات محدودة، جمع فيها البيانات مستندا على الحقائق والمعلومات وموثوقية المصدر، والسبب في ذلك أنه يريد الحقيقة ونشرها للجمهور. ولمن؟ لوطنه وبرواية هي الأصيلة والحقيقية، شاملة المصداقية والحيادية، اللتين تفتقدهما هذه القناة ذات الأصوات المأجورة، والتي يوما ما سينقلبون عليها لا محالة.