كتب الله لي أن كنت في زيارة خارج البيت وتقابلت مع رجل متقاعد بعمر 57 عاماً، ودار بيني وبينه حديث طويل اتسم بالسلبية والتشاؤم، مما جعلني أعيش باقي اليوم في حزن وكآبة وتفكير عميق، وعميق جدا عما أمتلكه لأغير ما أستطيع أن أغيره في مجتمع تسيطر عليه بعض الحكم والأمثال والمقولات الزائفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع مثل (ايش باقي من العمر) أو (خلاص يا ولدي إحنا عملنا اللي علينا والآن دوركم)، وغيرها مما يندى له الجبين مثل (يا الله حسن الختام).

في الحقيقة، أن عامل السن يؤخذ في الاعتبار كونه يجب أن يكون للكبير كامل التقدير والاحترام وعدم تكليفه بمهام شاقة مثل حمل أوزان ثقيلة قد تسبب كسورا أو مشاكل صحية، ولكن لا يمنع أن يكون له جهد فردي أو جماعي يفيد المجتمع ويرقى به.

أخي المتقاعد الذي بلغ الخمسين والستين، اسمح لي بذكر ثلاثة نماذج من صدر الإسلام، وبعضها عاصرناه إلى وقت قريب، وجميعها بدأت حياتها الفعلية بعد الستين بقيادة غيرت في التاريخ وخلدت أسماءها بحروف من ذهب، أولها الصحابي الجليل حسان بن ثابت شاعر الرسول، صلى الله عليه وسلم، كانت له جولات وصولات في الشعر العربي وخاصة في الحروب لرفع الهمم ومجابهة العدو بأبيات شعرية استمرت أربعة عشر قرنا.. ما يهمني أن حسان بن ثابت أسلم بعمر الستين وعاش بعدها ستين عاما في عصر الإسلام.

وثانيها، القائد المناضل نيلسون مانديلا الذي عاش إلى سن الـ95 قضى منها 27 عاما في السجن وخرج بعدها ليصبح رئيسا لدولة جنوب إفريقيا بعمر الـ76، حيث عاش بفكره المناهض للعنصرية لمدة 20 عاما، ولم يخرج من السجن محبطا ويقول ماذا سأفعل بعد هذا العمر؟

هارلند دافيد بدأ سلسلة مطاعم تفوق حاليا ألف فرع حول العالم بعد سن الـ60 ليمتد عمره إلى حين وفاته عام 1980 عن عمر يناهز الـ90.. هارلند هو صانع ومبتكر خلطة كنتاكي الشهيرة.

الآن دورك أيها المتقاعد بعمر الـ50 أو الـ60، ماذا كنت ستفعل إذا أطال الله عمرك إلى أن تبلغ مبلغ الصحابي الجليل حسان بن ثابت؟ أو فشلت في حياتك طيلة 60 عاما مثل هارلند دافيد؟ هل كنت توقف قطار الحياة أم تبدأ رحلة جديدة من اليوم ملؤها البهجة والسعادة والطموح والأمل ومساعدة الآخرين؟

تذكر ما قاله سيدنا علي بن أبي طالب عن هذه الحياة (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا).

وأنا أقول لك (عش بطول أمل في الدنيا وابذر خيرا).