أورويل لم ينشأ منعما في رغد من العيش، وإنما ولد في قرية هندية كانت مستعمرة بريطانية، وجورج أورويل ليس اسمه الحقيقي أيضا، إنما إريك آرثر بلير، بل هو اسمه المستعار الذي اشتهر به، وأورويل هو اسم نهر في الهند قرب المنطقة التي ولد فيها.

من أسباب تغييره اسمه رغبته في التخلص من شخصية الرجل الاستعماري الذي كانه ليصبح جورج أورويل غير الطبقي، أيضا هناك من يرى أنه غير اسمه لئلا يحرج والديه اللذين لم يفضلا أن يرتبط اسم العائلة باسم كاتب من الطبقات البسيطة والمشردة، وأول كتاب له بهذا الاسم كان كتاب صعاليك في لندن وباريس.

نأتي لروايته مزرعة الحيوان والمؤثرات التي جعلتها تخرج للنور وتأخذ كل هذه الشهرة والضجة والإيمان بها بشكل كامل ومقارنتها بالأحداث بشكل مستمر أيضا.

من خلال البحث عن سيرة جورج، وحين تقرأ لكل من كتب عنه ومن نقل عنه شيئا، ستجد أنه لم يكن سياسيا هو مجرد إنسان حر، قلمه حر، الذي يفعله دفع الناس إلى التفكير بجدية فيما ينقله الآخرون من عقائد وقيم، ولديه إيمان بأن الإنسان قادر على تصحيح مسار حياته والتغلب على مصاعبها بتعديل سلوكياته ومنهاج تناوله لحياته، وكيف يفكر ويمارس حق التفكير وحده ولا يدع الآخرين يفكرون نيابة عنه، بالمعنى الأوضح أن تكون ذاتك ولا تكن تابعا لذات الآخر مهما كان.

صدرت رواية «مزرعة الحيوان» عام 1945، وكتبها أثناء الحرب العالمية الثانية تحت تأثير تجربته في الحرب الأهلية الإسبانية التي عاصرها، إلا أنها لاقت انتقادات حادة حتى أنها مُنعت في بعض الدول.

الرواية عبارة عن حكايةً ساخرة ممتعة على ألسنة الحيوانات ليكشف عن التناقض الحاد بين الشعارات الثورية وممارسات الحكام بعد الثورة، وهي رواية بها رمزية مباشرة ومثيرة للجدل، وسبب استخدامه للرمزية حماية نفسه.

استعرض أورويل في الرواية عشرة فصول، تناول فيها الأنظمة الديكتاتورية والقمع والتسلط والطغيان، بجانب ذلك صور الخوف والريبة والقلق والاضطراب والجزع التي تعشش في نفوس حيوانات المزرعة.

أورويل لم يجعل الرواية فقط تدين النظام وحكمه المستبد بل دان أيضا استسلام الحيوانات تجاه كل ما يمارس عليها من قهر وظلم واستعباد.

ويبهرك أورويل باستخدام الحيوانات بطريقة ذكية للغاية ولزيادة المتعة ستبحث كيف ربط الحيوانات بواقع يعيشه.

قرأت أن الخنزير العجوز «ميجر» هو «كارل ماركس»، والخنزير نابولين هو«ستالين»، والخنزير«سنوبول» هو «تروتسكي»، والخنزير «سكويلر» يمثل قطاع الإعلام وعلى الأخص صحيفة «برافدا» إبان فترة «ستالين»، التي استخدمها لتضليل الجماهير مثلما كان «سكويلر» يبرر سياسة نابولين ويزيف الحقائق، وحتى مالك مزرعة الحيوان يشبه القيصر الروسي «نيكولاس الثاني».

وفي الرواية شخصيات تمثل الطبقة الكادحة والمتوسطة والمخملية والمثقفة في الاتحاد السوفيتي حينذاك.

ومن خلال عرض المبادئ السبع التي تنص على التالي:-

1- كل ما يدب على قدمين فهو عدو الحيوانات.

2- كل ما يدب على أربعة أقدام أو يطير فهو صديق.

3- لا يجوز للحيوانات أن تلبس ملابس.

4- لا يسمح لأي حيوان بالنوم في سرير.

5- لا يجوز لأي حيوان شرب الكحول.

6- لا يجوز لأي حيوان قتل حيوان آخر.

7- جميع الحيوانات سواسية.

بعدما اتفقت عليها الحيوانات يتبين خلل كبير فيها، حيث تدور خمس مبادئ منها حول علاقة الحيوان بالإنسان العدو، واثنتان فقط تنظم علاقة الحيوان بالحيوان، ومن ذكاء أورويل أنه أراد أن ينبه القارئ إلى أن هناك خللا يقع فيه بعض الثورات التي تنشغل في تشكيل هويتها على أساس منابذة الخصم فاقدة الأساس من الثورة وأهدافها وحاجاتها ومصالحها المشتركة.

ما يحدث هو أن الثورة تخون نفسها ولا تستطيع التمسك بمبادئها والبنود التي رسختها. مما أدى إلى الصراح وعدم معرفة من المناصر، أدى جميعه إلى الاستسلام وانتهاء الحلم إلى كابوس.

نأتي لسؤال هام ربما الجميع سأله لنفسه يوما قبل قراءة الرواية:

لماذا كل هذه الضجة حول مزرعة الحيوان وكل هذا الضوء الذي سُلط عليها؟.

أسباب عديدة منها أنها تُرجمت لعدد من اللغات، وفي اللغة الواحدة أيضا تُرجمت لأكثر من مترجم نظرا لمكانتها الأدبية، وأظنني أضيف هنا السياسية أيضا.

وحتى العربية هناك ترجمات عديدة إليها لكن أفضل ترجمة كانت للدكتور محمد العريمي.