يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً بارزاً في رسم الخارطة المستقبلية للتعليم بوجهٍ عام وللتعليم العالي بوجهٍ خاص، ويتعاظم هذا الدور عاماً بعد عام، مع تنامي مخرجات ثورة التكنولوجيا والتي لا تتوقف عجلتها عن الدوران. وتتنافس المؤسسات الأكاديمية في سباق نحو التمكين التقني لأدوات التعليم العالي رغبةً منها في تحقيق مستهدفات أكاديمية نوعية وغير تقليدية تستلهم من الواقع المعاش تجارب ومنجزات يمكن الانطلاق منها نحو تعزيز مناهج وطرق وأساليب تعليمية ثورية قادرة على وضع حجر الأساس لفلسفة تعليمية هي الأولى من نوعها تكون قادرة على دفع الإنسان نحو قفزات علمية هائلة تختصر المسافات والزمن والجهد، وتفتح للإنسان آفاقاً لم يعهدها من قبل من أجل تعزيز صناعة واقع تكون فيه المجتمعات أكثر قدرةً على الانتفاع بالعلم على مستوى حاجات الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والطبية والتعليمية، وعلى صعيد تحقيق أكبر قدر ممكن من إسعاد السكان وتعزيز دور العلم في الوصول إلى حلول متنوعة لشتى الإشكالات التي تواجه الإنسان.

وتستخدم الجامعات في شتى أنحاء العالم وسائل تقنية ذكية بهدف تعزيز قدرة الطلبة على المشاركة في الجهد الأكاديمي وزيادة تفاعلهم، ومع العمر الزمني القصير الذي يمكن إعطاءه للتطبيقات الجامعية الأكاديمية، لا تزال أيضاً تلك التطبيقات تنحصر في تقديم خدمات معلوماتية للطلاب كالتعريف بالجامعة، وكلياتها، والأنشطة الطلابية، والتواصل مع إدارات الكليات المختلفة، بعيداً عن إطلاق تطبيقات لكل تخصص يستطيع الطالب من خلالها ممارسة نشاطه الأكاديمي على مستوى المادة العلمية والبحوث المشتركة أو الجماعية، فمثل هذه التطبيقات يكاد يكون نادراً.

وتتوفر الكثير من تطبيقات الذكاء الاصطناعي الموجهة لطلبة المدارس وخاصة تلك التي تعالج إشكالات الطلاب في مواد كالرياضيات والفيزياء واللغات، إلا أن التطبيقات في قطاع التعليم العالي لا تزال ذات بعد معلوماتي بعيداً عن التخصص، ولا تزال فكرة تصميم تطبيقات ذكية لكل تخصص فكرة تواجه معوقات على رأسها التنوع الكبير في الجامعات من حيث التنوع الكبير في المناهج التي يتم تدريسها والتي تختلف من جامعة لأخرى، حيث تتعدد الجامعات في المدينة الواحدة، على عكس التعليم المدرسي وخاصة الحكومي منه والذي يغطي قطاعاً واسعاً من الطلاب ويمتازبعدم وجود تنوع في مناهجه مقارنةً بالتخصصات الجامعية.

من ناحيةٍ أخرى، سيُمكِّن الذكاء الاصطناعي المزيد من الجامعات في المستقبل من تقديم فرص لملايين الطلاب الغير قادرين على الوصول إلى الحرم الجامعي من الانتساب لتلك الجامعات وحضور جميع المحاضرات عبر أجهزة الكمبيوتر، كما سيتمكن الروبوت من القيام بدور المدرس الجامعي، وستتمكن المزيد من الجامعات حول العالم من تحويل الكتب إلى محتوى رقمي، يسهل حمله واقتنائه، وتعديله، كما ستتمكن المزيد من الجامعات في المستقبل أيضاً من إطلاق برامج أكاديمية مشتركة حيث سيكون بمقدور جامعتين أو أكثر الاشتراك في تقديم المحاضرات وتقسيم تلك المحاضرات لضمان قدر أكبر من الجودة، خاصةً عندما يتم إطلاق تخصص تتداخل فيه مهارات علمية متعددة وتكون كل جامعة ذات سمعة عالمية في مهارة علمية أكثر من غيرها.

جديرٌ بالذكر أن عملية انتقال التعليم العالي من مرحلته التقليدية إلى مرحلة استحواذ فكر التقنية الذكية فيه على واضعي برامج وخطط تطوير وتنمية ذلك النوع من التعليم، تعد عملية معقّدة وذات أبعاد متعددة، حيث يواجه واضعي الخطط والاستراتيجيات في عملية الانتقال هذه العديد من المؤثرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، التي تجعل تلك العملية تجربة تحتاج إلى قدر كبير من الصبر والأناة، وإلى قدر كبير من المهارة في التخطيط، بالإضافة إلى ضرورة إعداد كوادر تدريس مدرّبة على تقديم المادة الأكاديمية وفق معايير تقنية جديدة، وعدم إغفال الأهمية البالغة لوضع دراسات حول المجتمع ثقافةً واقتصاداً قبل إطلاق تلك الخطط، وضرورة استخدام قطاع التعليم المدرسي والجامعي بالإضافة إلى الإعلام الجديد كأداة لتسهيل عملية الانتقال نحو المزيد من تمكين الذكاء الاصطناعي ليقوم بدوره في خدمة مستهدفات مؤسسات التعليم العالي.