استكمالا للحديث عن المكتبات، أتطرق في هذا المقال للمكتبة المدرسية ودورها المتوقع في تحسين تجربة التعليم والتعلم. الهدف الأهم للمكتبة المدرسية في رأيي هو مساعدة المعلمين في إكساب الطلاب مهارات القراءة الصحيحة وإيصالهم للعمر القرائي المناسب لهم حسب المقاييس العالمية، ومساعدة المتميزين منهم على تجاوزه ما أمكن، فالطالب الضعيف قرائيا سواء أكان ضعفه لفظيا بالعجز عن القراءة أو استيعابيا بالعجز عن التحليل والفهم ونقد المقروء، يجد صعوبة في فهم المواد الدراسية، ويتحول إلى آلة حفظ وتفريغ للمحفوظ دون استيعاب حقيقي مكتسب، وهذا الأثر يمتد لاحقا. وقد درس المختصون العلاقة بين معدل القراءة والنجاح الأكاديمي ووجدوا ارتباطا إيجابيا واضحا بينهما. الطالب القارئ يمتاز بالمثابرة وتزداد قدرته على البحث عن المعلومة التي يحتاجها بنفسه ويحسن استخدامها وتوظيفها، مما يدعم نجاحه دراسيا على المدى البعيد، بل تنعكس آثار ذلك حتى على حياته العامة. لا يحدث هذا طبعا في يوم وليلة، لكنه عمل تراكمي يحتاج للتخطيط والتنفيذ والمراجعة.

للمكتبة المدرسية الفعالة دور لا يمكن تجاهله في تحسين نتائج الطلاب فهي مساحة آمنة للطلاب يتشاركون فضاءها ويتعلمون فيها من بعضهم البعض ما لا يتعلمونه في الصف وحده، وأهمية الأقران في التعلم لا تخفى على أي متخصص في التعليم. وتبرز هنا أهمية اختيار طاقم المكتبة المدرسية المناسب والقادر على مواءمة الأشخاص والمعلومات من خلال الاستطلاعات المستمرة، وتنمية وتجديد المصادر المختلفة لجذب هذا الجيل المتفوق تقنيا، والذي يشكل تحديا آخر لأي مهتم بتحسين المكتبات على اختلاف أنواعها. المكتبة المدرسية كذلك تساند الأهالي وتسد الفجوة التعليمية بتوفير المصادر للطلاب الأقل مقدرة مالية من خلال توفير المراجع والقصص والمعلومات والتقنية التي يحتاجونها، ليحققوا أهدافهم الدراسية مثل أقرانهم من الأكثر ثراء. ولذلك فالمتوقع من المكتبة المدرسية أن توفر دعما بشريا من خلال طاقم المكتبة، ودعما علميا من خلال المصادر والمساحة والوقت؛ وهي بهذه الحال تلعب دورا هاما في دعم التدريس والتعلم. هذه المهمة الثلاثية تؤدي لتحسين شعور المتعلم بذاته، وتنمي استقلاليته في اختيار قراءاته الخاصة، كما تساعده في اكتشاف اهتماماته ونقاط قوته بالسرعة التي تناسبه. وكلما اتحدت هذه العناصر وتوافقت أهدافها مع إمكاناتها والخطة التعليمية ككل زادت فعالية مكتبات المدرسة واتحدت رؤاها مع رؤى التعليم.

ودور المكتبة المدرسية لا يقتصر على القراءة الحرة فحسب. فللمكتبة المدرسية دور مركزي مفترض يخدم المتعلم والمعلم وأولياء الأمور. من مهام طاقم المكتبة المدرسية مثلا مساعدة المستخدمين في العثور على ما يحتاجون إليه، وربط المدرسة بالمنزل من خلال الأنشطة المكتبة الإثرائية الموجهة للمتعلم وذويه.

دور المكتبة المدرسية المفترض يمتد كذلك ليشمل الأهالي، إذ تسهم المكتبات من خلال مشاركاتها المجتمعية في تعزيز مهارات القراءة ومحو الأمية الرقمية، فإذا تحسنت البيئة المنزلية انعكس ذلك على الطلاب. من هنا تبرز أهمية تكامل الأدوار الثلاثة للمكتبة المدرسية، وهي تعزيز القراءة، تحسين تجربة التعليم والتعلم ومحو الأمية الرقمية. يتضح من هذا المقال والمقالات الثلاثة السابقة له في نفس هذه المساحة أن أدوار المكتبات العامة، والأكاديمية والمدرسية في حياتنا الثقافية والاجتماعية والتعليمية تكاملية يؤازر بعضها بعضا، ودور هيئة المكتبات في إحياء المكتبات المدرسية يميل لكونه دورا تعاونيا استشاريا غير إشرافي، إذ يفترض أن تشرف وزارة التعليم على المكتبات المدرسية وتقوم جهة أخرى بالتقييم الفعال لهذا الإشراف لضمان الجودة، إحدى إدارات هيئة تقويم التعليم ربما، فخلق جيل قارئ منذ البداية يؤدي لصناعة مجتمع قارئ يساهم في بناء هذا الوطن وتحقيق رؤيته وأهدافه التنموية والتعليمية والتربوية.