يقول أحد الشباب (خريج ماجستير من أوروبا وعاطل عن العمل)، بأنه ذهب لمركز خدمات طلابية لطباعة بعض الأوراق، فتفاجأ بمواطن كبير في السن «يتجاوز الثمانين عاما» يطلب من المقيم الذي يعمل بهذا المركز بقوله (تكفى أرضي لا تروح علي) وأكمل بكلمات تنتابها عبرات الحسرة على الزمن الذي أفناه كبير السن هذا بقوله (بعدي يا بعدي ما عندي غيرك وين أروح)، والمقيم هذا واقف مكتوف الأيدي ويقول «ياعمنا ما في يدي أي شيء، ما عندي كاميرا ولا مايكروفون ولا..... لا.....» فقاطعه كبير السن هذا (وين أروح أرضي بتروح علي وين أروح؟).

يقول العاطل عن العمل هذا وبما أنني «لا شغل ولا مشغله»، فقررت التطوع ومعرفة تفاصيل هذا الأمر وما علاقة أرض كبير السن هذا بأن تجعله يتسول هذا المقيم وفي هذا المكان، وبعد أن تقربت من كبير السن هذا وحاولت أن أتفهم الأمر أخبرني قائلا «عندي جلسة بالمحكمة هذي اللي جنبنا وجيتهم لجلسات متكررة من ثلاث سنين وواعديني هذي الجلسة تكون الأخيرة ويثبتون ملكيتي لأرضي اللي أطارد وراها من أيام أبوي الله يرحمه، وجيت عند المحكمة ومنعوني من الدخول يقولون عن بعد ولا عرفت وش يقصد وقال لي أروح لهذي المكتبة وهم بيخلصوني».

يقول الشاب فهمت أن كبير السن هذا لديه جلسة مع القاضي في ذلك اليوم وتم تحويلها عن بعد، ليتمكن كبير السن هذا عن طريق أي جوال موصول بالإنترنت من الدخول على جلسة اجتماع بعد دخوله على رابط قد أرسل على جواله «الكشاف»، وأكمل الشاب هذا عمله التطوعي وبقي مرافقا لكبير السن هذا حتى جاء وقت الجلسة القضائية وفتح له رابط الجلسة من جواله الموصول بالإنترنت وجلس يشرح لكبير السن هذا كيف يتكلم وكيف يتخاطب مع هذه الشاشة، ويقول وللأسف حضر وقت الجلسة وبعد ربع ساعة تقريبا وصلتنا رسالة بأنه تم أخذ إجراء في هذه القضية، وهذا يعني أن القاضي لم يحتاجنا للحديث معنا فلم يدخل لهذا الاجتماع، وبقيت أنا كخريج الماجستير وكبير السن هذا كلنا يلقي باللوم على الآخر في ضياع هذه الجلسة وهذه الأرض، وبعد أن اتصلت على الرقم المجاني لوزارة العدل وهو 1950 أخبرني الرد التلقائي بأنني بحاجة الانتظار لأكثر من 24 دقيقة، وفي النهاية تم تحديد جلسة قضائية أخرى لكبير السن هذا، ولا زالت الأرض «لم تطير» ولكن يا ترى من سيكون في طريقه هذه المرة ليفتح له الرابط ويبعده عن تسول عامل تلك المكتبة أو الخدمات الطلابية.

وإحقاقا للحق فإن وزارة العدل ممثلة بوزيرها الشغوف بالتطوير، قد خطت خطوات جبارة وغير مسبوقة في تاريخها، وسخرت بوابات للخدمات الإلكترونية توصلك لمئات الخدمات وأنت «جالس ببيتك»، بتسخير برمجيات معقدة وتحويلها إلى قائمة دخول مبسطة قد لا تجدها حتى في أرقى الدول حول العالم.