بعبارات واضحة حاسمة، وأدلة دامغة لا لبس فيها ولا غموض، حمل التقرير الأخير الذي أصدرته الأمم المتحدة مؤخرا إدانة واضحة للنظام الإيراني، وأثبت ضلوعه المباشر بالهجمات ضد المملكة، مؤكدا التوصل إلى قناعة كافية بمسؤولية طهران عن الهجمات التي استهدفت المنشآت النفطية السعودية، واستهداف مطار أبها بصواريخ كروز وطائرات مسيرة، بهدف إيقاع أكبر قدر من الخسائر والأضرار وسط المدنيين، مما يثبت نوايا إيران العدائية وانتهاكها لكافة القوانين والقرارات الدولية التي تمنع استهداف المنشآت المدنية، حتى في أوقات الحرب المباشرة، ناهيك عن التوترات السياسية.​

بدءا فإن التقرير يمثل انتصارا كبيرا للدبلوماسية السعودية، التي ظلت خلال الفترة الماضية تسجل نجاحات متلاحقة في مواجهة دوائر الشر الإيرانية التي تستهدف المملكة، وتشدد الخناق على النظام الذي اعتاد تصدير الأزمات وزعزعة الاستقرار، وتواصل تعريته في كافة المحافل الدولية، وتظهر تجاوزاته لكافة المواثيق المرعية، وتنزع عنه أوراق التوت التي يحاول عبرها تغطية سوءاته. هذا النجاح المستمر ما كان له أن يتحقق لولا السياسة المتزنة والرصينة التي تتبعها المملكة في علاقاتها مع كافة دول العالم، والتي تقوم على مبادئ عدم الدخول في مهاترات سياسية أو مماحكات إعلامية لا تقدم ولا تؤخر، بل تحرص على السير وفق القنوات السياسية والدبلوماسية المتبعة، وهو ما أكسبها تقدير العالم واحترامه.​

أبرز ما ميَّز التقرير الأممي ابتعاده عن الدوافع السياسية، وتركيزه على الجوانب الحقوقية والقانونية المرتبطة بحقوق الإنسان، وهو ما أكسبه مصداقية واسعة، حيث جاء معززا بالأدلة ومليئا بالحقائق والوقائع والأرقام التي لم تدع لطهران الفرصة لمهاجمته أو إنكار ما ورد فيه. فقد أكدت وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية، روزماري دي كارلو، في جلسة مجلس الأمن أنه تمت مصادرة أسلحة وصواريخ حرارية مصدرها إيران وصلت إلى الأراضي اليمنية، وأن العناصر المستخدمة في صواريخ الكروز والباليستية التي استهدفت السعودية في نهاية 2019، تم تصديرها في عامي 2016 و2018 من إيران لليمن، مما يثبت أن طهران تواصل خرق قرار حظر توريد السلاح.​

ومع التقدير الكبير لوضوح التقرير ومهنيته، إلا أن هناك سؤالا يطرح نفسه بشدة عن الدور الذي ينبغي على مجلس الأمن الدولي القيام به لإيقاف الانتهاكات الإيرانية التي وردت في التقرير، فإذا كانت طهران - باعتراف الأمم المتحدة - هي التي تقف وراء استهداف مطار أبها ومنشآت أرامكو، وهو ما يشكل تجاوزا واضحا لكافة الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية، ويمثل تهديدا واضحا لحياة المدنيين، وانتهاكا لحقوق الإنسان، فهل يكتفي العالم ومؤسساته الدولية بمجرد الإدانة وتحديد المسؤولية؟ أم أنه لا بد من فرض عقوبة رادعة؟​

فمن المعلوم وفق الأعراف القانونية أن كل جريمة تستوجب عقوبة مناسبة لها، تردع المجرم عن انتهاك حقوق غيره وتوقفه عند حده وتمثل رسالة لغيره بأن العقاب في انتظاره إذا ارتكب الفعل نفسه، وفي ذات الوقت تكون حماية للمجتمعات وصيانة لأمنها وسلامة مواطنيها، فما هي العقوبة التي ينبغي فرضها على النظام الإيراني؟​

الجواب في غاية السهولة ولا يحتاج إلى كبير عناء لإدراكه، وهو ممارسة مزيد من الضغوط عبر تجديد حظر السلاح الذي يستخدم في مهاجمة الآخرين وترويع أمن المدنيين، وهو القرار الذي ينبغي على مجلس الأمن اتخاذه فورا وبدون تردد، بعيدا عن أي حسابات سياسية أو موازنات إقليمية، لأن التهديد الذي يمثله لا يقتصر على منطقة الشرق الأوسط فقط، بل يمتد ليشمل العالم أجمع، فالبلطجة التي تمارسها طهران بحق السفن التجارية وناقلات النفط في الممرات المائية الدولية يمكن أن تشعل فتيل حرب مدمرة، ومن الوارد أن تؤثر على حركة الاقتصاد العالمي، وتتسبب في خسائر لا حصر لها.​

ومن الضرورة ملاحظة الارتباط الوثيق أيضا بين ما ترتكبه طهران من تجاوزات عديدة وبين انتهاكات حقوق الإنسان في الكثير من الدول التي تشهد حالات عدم استقرار سياسي، فالسلاح الذي تمتلكه تقوم بتهريبه إلى أذرعها العسكرية وعملائها المنتشرين في المنطقة، فجماعة الحوثيين الانقلابية في اليمن تستخدمه في محاولات الاعتداء على المدن والقرى الحدودية في المملكة، واستهداف المنشآت النفطية التي تمد العالم بمصادر الطاقة، إضافة إلى الوقوف في وجه الحكومة الشرعية، وتستقوي به على المدنيين العزل، بما يؤدي إلى إفساد وإفشال كافة محاولات الحل السلمي.​

وحزب الله الإرهابي كذلك يستخدم السلاح ذاته لارتكاب مجازره في سورية، ومساعدة نظام الأسد، ومهاجمة المدنيين، وتهديد الأمن والسلم الإقليميين، الفعل وذاته تمارسه ميليشيات الحشد الشعبي العراقي لتعطيل المسار السياسي، وإفشال الحكومات المتلاحقة وقصف السفارات والمنشآت المدنية. كل هذا تفعله إيران بسلاحها المتفلت الذي تصدره إلى معظم الحركات المتمردة في العديد من دول العالم.​

الآن، وبعد أن اتضحت الصورة بالأدلة القطعية الدامغة، وفشلت كافة محاولات الإنكار والتسويف، فإن مجلس الأمن الدولي يبدو أمام مهمة تاريخية لا تحتمل التأخير، وهي ضرورة التصدي للخطر الذي يمثله النظام الإيراني على أمن واستقرار العالم أجمع، وإرغامه على الامتثال الكامل للقرارات الدولية، ووقف انتهاكاته العديدة لحقوق الإنسان، ولتكن البداية بتمديد حظر تصدير السلاح، وإجباره على فتح كافة منشآته النووية أمام المفتشين الدوليين، فورا وبدون شروط مسبقة. ​

لا مجال للمزيد من التسويف أو تغليب المصالح الذاتية أو تقديم الحسابات السياسية والموازنات، فالأمن العالمي أصبح جزءا لا يتجزأ، وما يؤثر اليوم على أي بقعة في العالم سوف يؤثر غدا على غيرها، ينبغي التعجيل في اتخاذ القرار الصائب، ففي سيرة التاريخ كثير من العبر التي توضح أن التأخير في مواجهة بعض الأخطار كان هو السبب المباشر في تفاقم خطرها.​