من القواعد المقررة علمياً أن (الحكم على الشيء فرع عن تصوره)، فتتصور الشيء وتدركه من جميع جوانبه حتى تكون قادراً على الحكم عليه.

وأما الذي لا يتصور الشيء -مهما كان هذا الشيء-، فلن يكون قادراً على الحكم عليه، وحتى لو حكم عليه بلا تصور كامل، فسوف يكون حكمه غير موفق.

ولذا نحتاج عند دراسة مسألة دينية أو دنيوية أن نعطيها حقها من التصور الكامل، حتى نستطيع الحكم عليها، فلا ننتهك العلم، ولا نكشف عن جهلنا، ولا نضر بالحقيقة.

والمتأمل في كلام الناس وكتاباتهم يرى الكثير من الأحكام على الأشياء بشكل متسرع، لكونها منطلقة من جهل لا علم.

فالقاضي لا بد أن يتصور القضية ببيِّناتها قبل أن يحكم، والمفتي يحتاج لتصور المسألة بظروفها قبل أن يفتي.

وحتى بعد حكم القاضي يكون للطرفين حق الاعتراض، كما يكون للمستفتي حق الاختيار بين مفتٍ وآخر وبين فتوى وغيرها دون «تشهي».

ومثله الحكم على الأشخاص والجهات وجميع شؤون الحياة، بحيث نتصور قبل أن نقرر، وإلا فسنكون ضالين ومضلين.

وإذا كان هذا الشرط بالتصور موجهاً للمستقل في قراره والحر في رأيه، ففي غيرهما من التابعين المنساقين وراءهما من باب أولى.

والعاقل الرشيد هو الذي يتريث، فيجمع ويسبر، ثم يتأمل، قبل أن يقتنع، فضلاً عن أن يتكلم، ناهيك عن أن يقرر.

ويبقى «التصور» هو الخزان الإستراتيجي للحكماء.