هكذا كانت بدايتنا، تطور سريع، تكنولوجيا تزداد تطورا وتعقيدا يوما بعد يوم، برامج ومواقع جديدة، وقت يسوده الفراغ، وعقول تلهث وراء كل جديد، حتى أصبحنا نعيش في غير عالمنا، عالم يسوده التفكك، يرفع شأن الجهلاء، ويمحق حق العلماء والفضلاء.

أصبحنا تحت سطوة عالم مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت عالمنا وغفلنا عن واقعنا الحقيقي.

إنه أشبه ما يكون بعالم خيالي ما إن يدخله الشخص حتى يدخل تحت تأثير يشبه السحر، حيث إن كل ما كان ممنوعا عنه في الواقع، أصبح متاحا في هذا العالم، بما في ذلك حرية التعبير عن الرأي مهما كان شنيعا أو جارحا، ومع عدم وجود الرقابة صار الجميع ينتقد أو يعطي رأيه أو يعلق وينشر الكراهية بكل أريحية غير مبالٍ بمشاعر الآخر، كل ذلك يحصل خلف شاشة الجهاز، هل لك أن تتخيل!

الغزو الفكري الذي يعيشه أبناؤنا بات يؤثر سلبا على كل جوانب حياتهم، فأصبح هناك فتور في العلاقة بين الأسرة الواحدة، كما أن نسبة الطلاق بدأت بالتزايد، والأبناء فضلوا عالمهم الافتراضي على الدراسة، فهم يرون مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي يحصلون على المال من خلال حياتهم الفارغة بدون تعب أو عناء، فليس هناك دافع يدرسون لأجله إذا كان قصدهم من الدراسة رغد العيش والحياة الهانئة، ولا نغفل عن الأفكار التي ينشرها المشاهير والتي تغزو عقول الأطفال بسهولة، أفكار غربية أو مخالفة للدين أو العادات والتقاليد بحجة حرية التعبير عن الرأي.

ولا يخفى عليكم الجانب النفسي من تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، وما تسببه من شعور بالنقص، خصوصا المراهقين الذين تغريهم السيارات الفارهة، والملابس الباهظة، والسفر إلى جميع أنحاء العالم، كل ذلك بسبب نشر البعض ظاهرا مثاليا مزيفا لا وجود له في الواقع، بالتالي يشعر الطفل أو المراهق بحالة من الحرمان والنقص وأيضا ممكن أن يؤدي ذلك إلى الاكتئاب وعدم الرضا.

وسائل التواصل سلبت جزءا كبيرا من متعتنا في الحياة، زرعت الغيرة والكراهية في قلوب كثير من الناس، أفسدت مفهوم الحرية والتعبير عن الرأي، كما ساهمت في تفكك الأسر وضعف أداء الطلاب، فهل ما زلت تعتقد فعلا أن مواقع التواصل الاجتماعي حققت مبتغاها بزيادة التواصل بين الناس؟.