يظل الوطن هو الوجهة الأفضل للسياحة اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، بما تحققه من متطلبات التنمية المستدامة للمناطق السياحية بما تزخر به من مراكز جذب سياحي، تستحق أن تكون منتجعات سياحية تستقطب السياح على اختلاف مواطنهم داخلياً وخارجياً، وبما ينعكس مردوده إيجاباً على الاقتصاد كرافد إنتاجي داعماً لرؤيتنا ومستهدفاتنا الوطنية، في بلورة تنويع مصادر الدخل بتعدد روافده المنتجة، وكمجال للإنفاق المحلي بما يعزز النمو الاقتصادي. وبفضل من الله تعالى، فإن المملكة تنعم بمساحة واسعة مترامية الأطراف تحوي بين جنباتها مناطق متنوعة في تضاريسها وطبيعتها ومناخها، بما يجعلها جاذبة للسياحة في جميع فصول السنة رغم موقعها المداري الجاف، ومناخها القاري المتميز بشدة الحرارة صيفاً وشدة البرودة شتاء، إلا أنها تتمتع بسواحل طويلة على ساحل البحر الأحمر والخليج العربي، وبسلاسل من الجبال والهضاب المختلفة الارتفاعات، بما يجعلها تجمع ما بين المناخات الصحراوية والساحلية والجبلية، فتكون جاذبة للسياحة الصيفية والشتوية بين أرجائها طول العام.

ولتكون السياحة رافداً اقتصاديا حياً، فإن لها متطلبات لتنشيطها واستثمارها بما يخدم تنمية المناطق السياحية جميعها، ويُعد توفير وسائل النقل السهلة السريعة الآمنة وبتكاليف مقبولة، من الأولويات التي يقتضي توفيرها كأحد أهم مقومات البنية التحية للمناطق السياحية، وتُعد القطارات من أفضل وسائل النقل المناسبة في المسافات الطويلة، وهي الشائعة في جميع دول العالم، بحيث تمتد كشبكات متصلة تربط ما بين مناطق المملكة المختلفة بدايةً، ثم ما بيننا وبين دول مجلس التعاون كمرحلة لاحقة، فذلك من أهم وسائل دعم السياحة وتيسيرها، كما أنه من أهم وسائل الربط الداخلي ما بين المناطق والمدن المختلفة، بما يسهم في تحقيق تنمية إقليمية متوازنة يستفيد منها جميع السكان بمختلف تطلعاتهم ومسؤولياتهم.

إن الخدمات العامة المتاحة في جميع المناطق، إنما هي مكتسب لجهود ونفقات تنموية سخية، سجلتها مسيرة التنمية الوطنية بجميع متطلباتها، والأمل معقود؛ أن تحظى جميع المناطق السياحية بخدمات متميزة، وذلك يشمل الكهرباء والمياه والصرف الصحي وشبكة الاتصالات والإنترنت، بعد أن أصبحت تلك الخدمات من أساسيات الحياة وضروراتها وليست من الكماليات التي يمكن تجاهلها.

ولأن نجاح السياحة يعتمد على منظومة متكاملة من المقومات، فإن توفير كافة متطلبات البنية الفوقية مهم جداً، وبما يناسب التطور الذي تشهده المملكة ويليق بالمرحلة التنموية التي تعيشها، وبما يسهم في تحقيق أهدافنا الإستراتيجية في تحقيق التنمية المستدامة بكافة مضمونها، سواء في جانبها الاجتماعي والاقتصادي أم البيئي، وتتضمن البنية الفوقية تحت مظلتها جميع المظاهر البنيوية والتقنية والفنية المرتبطة بالسياحة، مثل توفر أماكن الإيواء والمطاعم والمقاهي والأسواق وأماكن الترفيه المتنوعة وآلية الحجز والوصول وغيره، علاوة على وجود أنشطة مختلفة وفعاليات ثقافية واجتماعية تتميز بها كل منطقة، لتعكس هويتها، ونوع تراثها وثقافتها السائدة في مجتمعها المحلي، خاصة إن المملكة زاخرة ببيئات مختلفة تتلون فيها الثقافات وتتمايز بعض العادات ما بين المناطق، بما يجعلها ثرية في تراثها وحضارتها كلوحة فنية من الفسيفساء بجمال تركيبها وروعة ألوانها واختلاف بنائها.

تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في المناطق السياحية مطلوب بمستوياته وإمكاناته كافة، سواء كشركات كبيرة أو كأفراد وكمشاريع خاصة، صغيرة كانت أو متوسطة وكبيرة، ولكن جميع ذلك يحتاج إلى احتوائه تحت أكثر من مظلة مؤسسية لتنظيم أدائه وآلية انتشاره ونوعية نشاطه، ولتحديد مستوى جودته وفق معايير محددة تضمن حسن الإنتاج لمشاريع بنيوية ومخرجات سياحية استثمارية، تتناسب مع ما يجده السواح في المناطق السياحية الأخرى من العالم من خدمات وأسعار وغيرها، ولتشمل جميع ما يتطلبه المشروع السياحي، قبل الوصول أو بعد الوصول للمناطق السياحية، وذلك جميعه يعكس صورة الوطن وجهوده التنموية التي أثمرت عن استحواذنا على المرتبة 36 بين دول العالم ذات التنمية البشرية المرتفعة جداً للعام 2019.

أصبحت السياحة في عالمنا اليوم هي الصناعة الأولى المستهدفة على مستوى العالم، لما تتميز به من توفر خاماتها دون الحاجة لاستيرادها كالصناعات الأخرى، ولما يحققه مردودها من دخل اقتصادي، وبما تسهم به من تنمية اجتماعية شاملة للمناطق السياحية، ولجميع ما يتصل بها من خدمات ومتطلبات من القطاعات المختلفة، وإذ تُعد صيانة البيئة وتطوير مناطق الجذب السياحي وحفظها من الهدر والإهمال، من أحد أهم متطلبات التنمية البيئية، وعليه فإن الاستثمار في السياحة تنموياً، هو تحقيق لجميع متطلبات التنمية المستدامة ولأهدافنا الإستراتيجية المأمولة، بما تستهدفه من توفير فرص عمل للمواطنين، وتنويع القاعدة الاقتصادية، والاستثمار في مواردنا المختلفة المادية والبشرية، بما يسهم في تحقيق تنمية متوازنة لجميع المناطق بسكانها؛ فذلك هو الوطن بجميع مقدراته وخيراته.