يصنف الفيلسوف المعروف (سبينوزا، ت عام 1677) الأمل من ضمن الأهواء الحزينة، أما فيلسوف المطرقة: نيتشه، (ت عام 1900)، فقد عدّه، أي الأمل، من ضمن غرائز الانحطاط، هذا التوصيف والتصنيف للأمل يوحيان بأن ثمة قلبا مفاجئا للمفاهيم، إذ ما فتئ الأمل، أو الآمال العظام، تغذي الشعور الجمعي والفردي بالقدرة على تحمل منغصات الحياة وانكساراتها، انتظارا لغد أفضل، يتغلب فيه العدل على الجور، والطمأنينة على الخوف، والسعادة على الشقاء، والوفرة على قلة ذات اليد وشظف العيش.

نعم، إن علم النفس الحديث يحارب الأمل، ويعده منغصا للعيش، وجالبا للهموم، وطاردا للطمأنينة، لأن التعلق بالأمل يقضي على الحاضر، الذي هو الحياة الممكنة للفرد، لأن الماضي ذهب ولن يعود، والمستقبل علم غيب ليس بيده أن يحياه، فإذا ما تعلق بأمل، مهما كان نوع هذا الأمل، فقد طمأنينته، ففقد حاضره، ففقد حياته، انتظارا لأمل قد يتحقق، وقد لا يتحقق، وحتى إذا تحقق، فإنه في الغالب لا يتحقق على الصفة التي بناها الإنسان في خياله.

يذكر المفكر المغربي سعيد ناشيد، في كتابه (التداوي بالفلسفة)، قصة دالة على أن الأمل يحول بين الإنسان والاستمتاع بحاضره، هي تلك القصة التي وردت في الإصحاح الثاني عشر من سفر صموئيل من العهد القديم، عن أنه كان للنبي داوود ابن سابق على سليمان، فكان أن ألم به مرض عضال، بدا أنه لن يقوم منه، حزن داوود على ابنه هذا حزنا شديدا، فانقطع عن الأكل تماما، وعجز عن النوم لليال عدة، وكان يتوجع بشدة لوجع ابنه، وفي اليوم السابع من مرضه توفي الابن، تردد أهل البيت في إخبار داوود، قائلين: إذا كان على تلك الحالة، والابن لا يزال على قيد الحياة، فماذا عساه أن يفعل إذا علم بموته، ولما رآهم يتهامسون، ارتاب في الأمر، فسألهم: هل مات ابني؟ فلم يستطيعوا أن يكتموا الجواب، وأومأوا برؤوسهم بالجواب.

على عكس المتوقع تماما، كفكف داوود دموعه، واغتسل، وتطيب، ودخل المعبد فصلى ما شاء الله له أن يصلي، ثم عاد إلى البيت وطلب الطعام، وسط ذهول أهل البيت، حينها، لم يكن هناك بد من سؤالهم إياه: ما الأمر يا سيدي؟ عندما كان ابنك مريضا، كنت مضربا عن الطعام، غارقا في الحزن، مجافيا النوم، وعندما مات، اغتسلت وتطيبت وصليت وطلبت الطعام؟ أجابهم داوود بهدوء: كنت حزينا عندما كنت أتأمل، وأرجو أن ينجو ابني ويعيش، أما الآن، فأنا موقن بأنه لن يعود أبدا، بل أنا الذي سألحق به ذات يوم، فما جدوى الحزن إذن؟

ويعلق ناشيد على القصة قائلا «مغزى القصة واضح، عندما مات الولد المريض، تخلص الوالد المكلوم من حرقة الأمل، فتحرر من الحزن، أيضا، ثم استطاع العودة إلى حياته الطبيعية».

من ناحية أخرى، ذكر (نيتشه) أن اليونانيين كانوا يعدون الأمل «شر الشرور، والشر الأكثر مكرا وخداعا»، ذلك أن الإنسان عندما يتعلق بأمل ما، آني، أو مستقبلي، فإنه سيرهن حاضره، بصفته الحقيقة التي بين يديه، لذلك الأمل، فيصير كالمنبت، الذي لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع.

يشير الفيلسوف الفرنسي (جان جاك روسو، ت 1778) في الجولة الأولى من (هواجس المتنزه) إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي أن من يضطهدك، ولا يترك لك أي بارقة أمل، فإنه يمنحك قوة كبيرة، لم يتوقعها هو، إنه إذ يفعل ذلك، يحررك من الخوف، ومن القلق الذي يرافق الأمل بالضرورة، ذلك أن انقطاع الأمل، كما يقول ناشيد، يجبرنا على قلب الصفحة، والبدء من جديد.

أما الفيلسوف الوجودي، (كيركيجارد، ت1855)، فيؤكد في كتابه (مبحث اليأس) أن انعدام الأمل، هو الشرط الأساسي للوعي، ذلك أن الشعور بانعدام الأمل يعيدنا مباشرة إلى الحاضر، الذي هو حياتنا التي بأيدينا.

إن الأمل ينسينا ما هو كائن وملموس، لصالح ما قد يكون، وقد لا يكون، وإذا كان، فليس يصير وفق توقعاتنا.

وأحسن ختام لهذه الأسطر المختصرة عن ضرر الأمل ما قاله جلال الدين الرومي في (الرباعيات) «هناك كثير من الأمل، في غياب الأمل».