في أحد فروع بنوكنا الموقرة، قابلت ثلاثة من شبابنا الموقر، جميعهم يسحبون ثلث مرتبهم «الموقر»، بعد إيقاف خدماتهم من قبل هذا البنك بعد قرابة العام، منذ أن تم توظيفهم في وظائف حكومية بمرتبات تتجاوز الـ 7 آلاف ريال شهريا، وبعد أن سألتهم لماذا هذه حالهم وهم خريجو دُفعة واحدة، تفاجأت بأنهم وفي يوم واحد حصلوا على ما يسمى بالبيع التقاطعي من هذا البنك، وهو عبارة عن منتجات مجتمعة يقوم البنك بـ «تدبيس» العميل بها في يوم واحد كـ (تمويل شخصي، وتمويل تأجيري «سيارة»، وبطاقة ائتمانية) في الوقت نفسه، حتى يتأكد أنه لم يتبق من مرتبه ما يوصله لبيته، وبعد عام واحد تم إيقاف خدماتهم بسبب سيارات تفوق قيمتها الـ 200 ألف ريال للسيارة الواحدة، وهي لا تناسب إلا ملاك الإبل في الصحراء وهؤلاء الشباب أخذوها لاستخدامهم اليومي في المدينة متناسين أنها تحتاج «بنزين» في كل مرة بما يتجاوز الـ 200 ريال و«يادوب» تكفيها، وقاموا ببعثرة بقية التمويل والبطاقة الائتمانية على أجهزة ذكية وتصرفات غبية، وكانت هذه نهايتهم في فيلم قصير.

المهم أنهم ليسوا وحدهم بل يظهرون نموذجا واضحا لطريقتنا الاستهلاكية، فالأغلبية منا يفهم أن ما هو بالآجل أو بالأقساط وكأنه قد كتب عليه «ببلاش»، فتجد الأب يشتري أجهزة ذكية بالأقساط بعدد مهول وكأنه يريد أن يسقط نظام كوريا الشمالية باستخدام كل هذا الذكاء في المنزل، وأما الفرن فيجب أن يكون إيطالياً لأن المطبخ إيطالي، والأواني يجب أن تكون طرازا إيطالياً ومع كل ذلك فالأكل من «برا»، وخل «الإيطالي يشبع بالإيطالي».

و«على طاري الأكل من برا» فالأم أم وتعترف بذلك إلا في الطبخ، فأصبحت المطاعم حتى البخاري منها لم تعد على هيئة بخارية بالأسعار، بل كل شيء تضاعف سعره نظرا لكثرة الطلب من أمهات البيوت على وجه الخصوص.

ورغم أنني لا أفقه في الاقتصاد إلا كما تفقه «جدتي» في برمجيات الـ 14 IOS، إلا أنني أعرف أن ما زاد الطلب فيه عن العرض فإنه يرتفع سعره حتى ولو كانت «مساويك بسطات المساجد»، وبناء على ذلك تجد صالات ألعاب الأطفال على سبيل المثال في «الـمولات» وكأن أسعارها تقول لك «أتحداك تلحقني»، حتى أصبح الطفل يدفع ما يزيد على 100 ريال ليلعب ساعة واحدة، في ألعاب من «زمان قريح»، وكل هذا بدأ يتلاشى تدريجيا.

ما أريد قوله أن القيمة المضافة أو «الضريبة» 15 %، جعلت كل منا يعيد حساباته سواء من الفقراء أو حتى وصولا إلى رجال الأعمال، فعاد كل منا يشتري على قدر ما يحتاج، وبدأ «الهياط الاستهلاكي» يذهب عنا شيئا فشيئا، وبدأنا نشتري على قدر ما نحتاج ونعي أن تركنا للسلعة أو المنتج الذي كان صاحبه يتحكم فينا بسعره، سيأتي إلينا يوما يتسولنا لنشتري منه وهو يتحمل قيمة الضريبة عنا، وكأن الـ (15 % هي القيمة المضافة للعقل الاستهلاكي).