تعمل وزارة التعليم جاهدة على تهيئة المناخ التعليمي المناسب للعام الدراسي الجديد 1442، والذي سوف يكون مُختلفا عما سبقه من استعدادات في كافة النواحي، ويُضاف عليها العبء الثقيل والمسؤولية الكبيرة في إجراءات الخطة الوقائية والاحترازية لسلامة وصحة الطلبة والعاملين في البيئة المدرسية من أي إصابة بفيروس كورونا، وهو أمر مُقلق للغاية سواء كان للوزارة أو لإدارات التعليم أو للهيئة التعليمية في المدارس أو لأولياء الأمور أو للطلبة أنفسهم، وقد أدى ذلك إلى تعطيل وإيقاف الدراسة في منتصف الفصل الدراسي الثاني للعام 1441 والانتقال إلى التعليم عن بُعد عبر مُختلف القنوات التي تم طرحها من قبل الوزارة كبديل عن التعليم التقليدي المباشر، والتي كانت تجربة جديدة على المعلمين والطلبة وأولياء الأمور.

فقد فاجأت الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار كورونا وزارة التعليم في الفصل الدراسي الثاني، وتعاملت معها بطرح بدائل لمواكبة الحدث والتعايش معه، وعدم ضياع الوقت في استكمال ما تبقى من المقررات الدراسية، وبعدها حاولت الوزارة إيجاد آليات من شأنها تقويم الطلبة وإجراء الاختبارات لقياس مستوى التحصيل وجودة الأداء فلم تستطع، فكان الترفيع والنجاح لجميع الطلبة دون وجود أي معايير، وقد يكون القرار مُناسبا أكثر من غيره نظرا للظروف التي فرضتها المرحلة في ظل غياب آليات التقويم عن بُعد في التعليم العام.

لقد تجاهلت وزارة التعليم في السنوات الماضية مُعالجة بدائل التعطيل الدراسي لسُوء الأحوال الجوية ليوم أو يومين لسلامة الطلبة أو لوجود الصيانة الشاملة في البيئة المدرسية لبعض المدارس والتي يتطلب تحويل الدراسة للفترة المسائية، وتم تأصيل مفهوم التعطيل لدى أولياء الأمور والطلبة، وأن الحالة المطرية أو الغبار أو غيرهما يتطلب عدم الذهاب إلى المدرسة، وكان ذلك مُبررا صحيحا ومُحقا، فكان يوم التعطيل يوما مُبهجا للكثير من الطلبة لمواصلة النوم واللعب وترك مقاعد الدراسة، ولم تنتبه وزارة التعليم إلى خلق البدائل المُلزمة للطلبة التي من شأنها أن تنقل التعليم من المباشر والتقليدي إلى غير المباشر عن بُعد وتجعل من التعليم مُستمرا مهما كانت الظروف.

وها هي الظروف الاستثنائية لجائحة كورونا ستفرض نفسها على مسيرة العام الدراسي الجديد 1442، وقد تكون الخيارات المُراد العمل بها جديدة على البيئة التعليمية أو إعادة التعطيل الجزئي أو الكلي، أو الانتظام والأخذ بالتوصيات من جهات الاختصاص بالتباعد والتعقيم والفحص وتقليص الأنشطة وارتداء الكمامات خلال اليوم المدرسي، وأن تطبيق مثل هذه الاحترازات في مدارس التعليم العام وخصوصا في رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية ليس بالأمر الهين في ظل أعداد الطلبة في المدارس والفصول، وأيضا في وعي الطلاب بأهمية هذه الاحترازات والالتزام بها.

فحقيقة ما تفرضه مُستجدات المرحلة على وزارة التعليم، هو سرعة إعادة تقييم بنية هيكلة التعليم على أسس واقعية ومواكبة عصرية وحداثة علمية وقيم إنسانية ووطنية، سواء في إعادة تأهيل المعلمين أو في مراجعة وتجديد المناهج والمقررات الدراسية وتخفيفها، أو في تحديث طرق التدريس التفاعلية ومحورية الطالب فيها، أو في تفعيل تكنولوجيا الاتصال والتواصل مع كل المكونات والأنشطة التعليمية، أو في تصميم البنية التحتية للتعليم عن بُعد وأحقية الطالب في اختيار نوع الدراسة الكلاسيكية أو الافتراضية،أو في تحقيق مُتطلبات سوق الجامعات والعمل وبناء المهارات المطلوبة فيهما، أو في بناء المهارات الشخصية للطلبة والاستثمار فيها وفق الذكاءات المتعددة، أو في تجديد البيئة المدرسية الجاذبة والنموذجية للطالب والتي لا تجعله يُفكر بالهروب منها أو انتظار فرصة تعطيل الدراسة من جراء سُوء الأحوال الجوية أو نقص الخدمات فيها، فقد تكون جائحة كورونا هي المخرج والفرصة الملائمة لاستغلالها لإعادة بناء منظومة التعليم التي تُواكب المرحلة ولا تتعطل، وتكون خارج الخدمة لأي ظرف مناخي أو صحي أو حربي لا سمح الله مهما كانت مدته.