يقول الفيلسوف الألماني شوبنهاور «إن إرادة الحياة هي الغرض الأول في سلوك الإنسان، وما طلب الحقيقة في الغالب إلا عرض ثانوي قد يتلبس بالخداع أحيانا»، وهو هنا يقصد أن الفرد يميل للجدل ليفرض قناعاته وما يرى أنه حقيقة مطلقة ليتغلب على محاوره أو خصمه، وهذا بلا شك يجعله معرضا للعداوات والخصومات، والعاقل في ميدان الحوار لا يهمه الانتصار لرأيه بقدر ما يهمه أن يصل للحقيقة، وهذه الثقافة - ثقافة غلبة الرأي - هي من عيوب المنطق القديم منذ العهد الإغريقي والتي تقتضي أن الحقيقة مطلقة وليست نسبية.

البعض عندما يدلي برأيه في موضوع ما فإنه يقطع به جازما ولا يبدي حوله الشكوك بأن يكون خاطئا بل ويرفض ذلك، وحتى عند المفاضلة والمقارنة بين أمرين أو شيئين تجده يثني ثناء كثيرا على أحدهما وربما طرح الأدلة والقرائن والبراهين التي تدعم ما يقول، وكأنه الأفضل على الإطلاق، وكذلك عند المفاضلة في الجودة أو القيم والأخلاق أو أي شيء كان، ونسي أن التناقض أصيل في طبيعة الكون كما يقول (هيجل)، وهذه حقيقة، فكل إنسان في مراحل حياته يمر بتحولات فكرية نفسية تجعله لا يستقر على حال ورأي، تجعله يغير معتقده ومنطقه المطلق إلى نسبي، وهذا ما يفسر لنا أيضا تعثر البعض وفشلهم ربما في قرارات مصيرية تمس حياتهم الخاصة بشكل مباشر، ومثل هذه العقد الثقافية والتصورات الفلسفية القديمة لا تراعي التغير الاجتماعي النفسي المستمر بتفاصيله وبذلك ينتج عنها جمود الفكر والتعصب للآراء والتمسك بها، والتي تباعد بين القلوب وتضعف إرادة المجتمعات وتقدمها.