لا يجب التقليل من شأن قوة كرة القدم ولغتها العالمية، ربما هي ليست صيغة سحرية تجعل كل شيء أفضل، إلا أن بمقدورها أن تلعب دورا مهما في إعادة بناء الحياة، وهذا ما سعى إلى تحقيقه مشروع Goal Click للسرد القصصي والتصوير الفوتوجرافي العالمي لكرة القدم، عن طريق إرسال كاميرات لأشخاص في جميع أنحاء العالم، وتلقي صورهم وقصصهم الملهمة، ممتلكا أرشيفا لا يصدق يستعرض الإنسانية بجميع أشكالها والقوى المرتبطة باللعبة الجميلة.

فكرة مجنونة

Goal Click مؤسسة اجتماعية لوسائل الإعلام والتصوير الفوتوجرافي تهدف إلى مساعدة الأشخاص على فهم بعضهم البعض من خلال كرة القدم، وهي من بنات أفكار مؤسسها "ماثيو باريت" بمشاركة زميله "إدوارد جونز".

جاء الثنائي بالفكرة أثناء عملهما في وكالة للتسويق الرياضي في لندن، ويوضح "باريت" الذي درس سابقا تأثير الرياضة في مناطق الحرب "فكرنا في هذه الفكرة المجنونة بعض الشيء، بأن نجد شخصا واحدا من كل دولة في العالم، ونمنحه كاميرا يمكن التخلص منها ونطلب منه سرد قصته الخاصة عن حياته ومجتمعه وبلده من خلال عدسة كرة القدم"، وتطورت الفكرة إلى مشروع حمل اسمها الحالي.

صورة أيقونية

في أبريل 2014، أرسل "ماثيو باريت" كاميرا بقيمة 9 دولارات أمريكية إلى عنوان في سيراليون، دون أن يتوقع استعادتها من جديد، وبعد 3 أشهر وصله طرد من الدولة الواقعة في غربي أفريقيا، كان بداخله الكاميرا مع فيلم لصور لاعبي فريق كرة قدم مبتوري الأطراف، قال "باريت"، المؤسس المشارك لـGoal Click، في لقاء مع مجلة Forbes الأمريكية "حمضت ذلك الفيلم الأول، وكانت تلك الصورة الأيقونية لهم وهم يتقدمون نحو الكرة كانت حرفيا أول صورة رأيناها للمشروع بأكمله"، مضيفا "كانت قصة وصور قوية ومقنعة، لا تزال بالنسبة لي، على الأرجح، أفضل صور وقصة لدينا على الإطلاق".

عدسة مشتركة

بعد الصور الأولى لفريق مبتوري الأطراف في سيراليون، تدفقت مزيد من "القصص المذهلة"، ويشير "باريت" إلى ذلك قائلا "بدأت الكلمات تنتشر شفويا وبشكل إيجابي، وفجأة، في السنة الأولى ونصف السنة التالية، بات لدينا 15 قصة مذهلة عائدة من سيراليون والهند والعراق وأستراليا وروسيا وبيرو ورواندا"، وبحلول نهاية العام الحالي، ستكون المنظمة جمعت 250 قصة لأفراد من جميع أنحاء العالم، مبينا "توفر كرة القدم تلك العدسة واللغة المشتركة، وتمثل نافذة على ثقافة ومجتمع أو جماعة معينة، يساعد شخص في دولة أخرى على فهم الآخرين وثقافتهم، ليس بالضرورة أن يوحد هذا العالم، ولكنه يعطي الرؤية ووجهة النظر في حياة شخص آخر".

مغامرة كردية

تعمل Goal Click غالبا مع منظمات محلية غير حكومية لإدخال الكاميرات إلى مناطق يصعب الوصول إليها، ومن بين 300 إلى 400 كاميرا مرسلة، لا تصل بعضها مطلقا وأحيانا لا تعود، ومن بين تلك التي تعود، يستغرق بعضها وقتا أطول من الآخر، ويذكر "باريت" أن "استعادة كاميرا أرسلت إلى كوريا الشمالية استغرق 4 سنوات"، وبالتأكيد هناك مغامرات رافقت بعضها "حتى تصل إلى كردستان، تجاوزت كاميرتنا في العراق 7 حدود مختلفة، تضمنت نقاط تفتيش حزب الله مرتين"، مضيفا "لم يدر في خلدي في أنني يوما ما سأصبح خبيرا في البريد الدولي وأتحدث نحو 20 لغة مختلفة باستخدام ترجمة Google، أو أن أتلقى رسائل من سورية وأفغانستان والصومال عبر الواتساب".

شراكات مدفوعة

يشير "باريت" إلى أن مشروع Goal Click هو "عمل ونشاط اجتماعي، وليس مؤسسة خيرية"، مشيرا إلى أنه حقق ربحا خلال عام 2019 "الناجح جدا"، وتأتي جميع الإيرادات تقريبا 95% من شراكات مدفوعة مع علامات تجارية واتحادات كروية وشركاء إعلاميين، تضمنت مشاريع مع شركة COPA90 اللندنية بتوثيق "روسيا الحقيقية" قبل انطلاق نهائيات كأس العالم صيف عام 2018 لسرد قصة ثقافة كرة القدم هناك، ونيويورك سيتي إف سي مع التركيز على المبادرات المجتمعية في النادي، كل هذه التفويضات تساعد أيضا Goal Click في إدارة شراكات أخرى مجانية، تضمنت كأس العالم للمشردين عامي 2018 و2019.

تجارب شخصية

بالتزامن مع يوم اللاجئين العالمي، تم إطلاق Goal Click Refugees الخاص باللاجئين، بالشراكة مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، تقدم السلسلة تصويرا يحرك المشاعر من أكثر من 25 لاجئا ولاجئة عبر القارات الخمس، من مخيمات في: الأردن وكينيا وجنوب السودان إلى ملاعب في لندن وسيدني، يوثق قصصهم الفريدة، ويسلط الضوء على تجاربهم الشخصية، مما يوفر منصة لأصوات مهمشة وغير مسموعة من خلال لغة كرة القدم المشتركة، مع استمرار الحملة خلال العام المقبل، وصولا إلى إقامة معرض خلال نهائيات يورو 2021، ومن المتوقع أن يتم نشر أكثر من 60 قصة للاجئين في 20 دولة.

عمل تدريجي

بالنسبة للشبان والشابات الذين شردتهم الحروب أو الاضطهاد، الرياضة أكثر بكثير من مجرد نشاط ترفيهي، إنها فرصة للحماية والشفاء والتطور والنمو، ويكشف "باريت" أنهم عملوا منذ ما يقرب من ثلاث سنوات وبشكل تدريجي، على إطلاق Goal Click Refugees، وذلك بتقديم كاميرا لكل مشارك لالتقاط واقع حياتهم ومجتمعهم الكروي، ويقول: "فيما تظهر عدد من القصص عن اللاجئين في وسائل الإعلام، من النادر أن تسمع أصواتهم أو ترى وجهة نظرهم، وتهدف هذه السلسلة إلى تحدي الصور النمطية الحالية وإلقاء نظرة حميمة على الحياة الكروية للاجئين، بطريقة لا يمكن لأي شخص من خارج هذه المجتمعات القيام بها".

كسر الحواجز

نشرت Goal Click حتى الآن قصصا مصورة عن كرة القدم من 30 دولة ولديها 50 قصة أخرى جاهزة للطرح، والهدف على المدى الطويل هو نشر قصة واحدة من كل 200 دولة ذات سيادة ومعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

ويوضح "باريت" قائلا: "في كل بلد توجد هناك كرة قدم، إنها واحدة من أشياء قليلة يمكن أن تعطي فهما للمكان والناس"، وعندما سُئل عن أبرز ما تلقوه من وجهة نظره الشخصية، أجاب بحزم "صور فتياتنا السوريات في مخيمات الزعتري للاجئين قوية وحميمية، لدينا أيضا أربع فتيات أفغانيات في النمسا وأستراليا.. إن قصصهم عن كسر الحواجز للعب كرة القدم ملهمة للغاية.. لقد أصبحوا مدراء فنيين ومدربين وحكاما".

قصة مدهشة

تأثر زوار موقع المشروع على الإنترنت إلى حد كبير بالقصة المدهشة للكيني "جاكوب فييرا"، الذي كان لاعب كرة قدم محترف استهدفه مهربو المخدرات عندما كان لاعبا شابا.

يوضح "باريت" قائلا "كان ضحية لهجوم شرير، حيث صُعق بالكهرباء في منزله وكان على وشك القتل، بعد ذلك بوقت قصير، سافر إلى المملكة المتحدة لخوض تجربة مع نيوكاسل يونايتد عام 2014 ونُصح بطلب اللجوء، وهو ما فعله، وانتقل لاحقا إلى ليفربول، وبعد خمس سنوات، حصل على الحماية الإنسانية، في حين أنهى هذا مسيرته الاحترافية، إلا أنه يسير على الطريق الصحيح ليصبح واحدا من أوائل الحكام المحترفين في بريطانيا ممن لهم خلفية لجوء".

نقلة جديدة

بعد أن وصلت بفخر إلى هذا الحد بكثير من النشاط والصخب وكثير من الثقة، تخطط الآن للنمو، مع إمكانية الانتقال إلى رياضات مختلفة ونماذج أخرى من السرد القصصي، يوضح باريت "نحن منظمة عالمية لرواية القصص الكروية، ولا يزال هناك شيء خاص بشأن غموض تحميض وإظهار محتوى الفيلم القادم من مكان ما من العالم، دون أدنى فكرة عما قد يحتويه، إنها نقطة الانطلاق لاكتشاف قصصهم، والشيء الأهم هو أننا نرويها من منظور صاحبها، لذا بغض النظر عما إذا كانت صورة فوتوجرافية أو كلمة أو صوت أو فيديو أو أشياء حية، سيكون التركيز دائما في المقام الأول على أن يروونها بأنفسهم".