هناك علاقة وثيقة ما بين السكان والتنمية، إذ لا يمكن أن تحقق التنمية أهدافها المأمولة، ما لم تؤخذ الخصائص السكانية في الاعتبار، كأساس موجه لسياسات التنمية في جميع مجالاتها، فتبنى الخطط التنموية والرؤى الإستراتيجية بناء على واقع الخصائص السكانية القائمة، بجميع مكوناتها الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية، في ظل ما تتمتع به الدولة من موارد اقتصادية، وبما يسهم في تحقيق تطلعاتها التنموية وأهدافها الإستراتيجية.

ويعُد صدور الأمر السامي القاضي بتعديل اسم «لجنة تعداد السكان» ليكون «لجنة السياسات السكانية»، أمراً في غاية الأهمية لما يتضمنه الأمر السامي، من تعزيز التوجيه والاهتمام بجميع مقومات التنمية والسكان، والدفع نحو التركيز على الدراسات السكانية وما يتعلق بها من إحصاءات وبيانات لخصائصها التفصيلية، لتبنى عليها السياسات التنموية وما يتصل بها من إجراءات وآليات تنفيذية تناسب الواقع السكاني الذي نعيشه، وتسهم في تحقيق تطلعاتنا التنموية.

ولأهمية تأثير الأوضاع السكانية على عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، فإن وزارة الاقتصاد والتخطيط شرعت في وضع «مشروع سياسة سكانية للمملكة» في إطار رؤية إستراتيجية طويلة المدى للاقتصاد السعودي 1425-1444، ويستهدف مسار السياسة السكانية في مشروعها الوطني، جميع جوانب المسألة السكانية، كالتوزيع العمري والجغرافي للسكان، وتحسين الخصائص الصحية والتعليمية والإسكانية والبيئية للمواطنين، وترتكز السياسة السكانية للمملكة على المحاور التالية:

-1القضايا السكانية: (السكان والتنمية) ويشمل أهم القضايا الديموغرافية المتعلقة بحجم السكان ومعدلات نموهم، والتركيب العمري، والنوعي، والتوزيع الجغرافي، والولادات، ومعدل الوفيات بين الفئات المختلفة من السكان، إضافة إلى دراسة تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسلوكية على العوامل السكانية من جانب، وآليات تحقيق التوازن بين النمو السكاني والموارد الأخرى.

-2الخدمات الصحية والوضع الصحي للسكان: ويشمل رصد التطور في البنية التحتية لخدمات الرعاية الصحية بأنواعها المختلفة، ومعدلات الإصابة بالأمراض المعدية والمزمنة، والوضع الصحي للأطفال والأمهات، والمسنين ومعدلات الإعاقة، وخفض معدلات الوفيات للفئات العمرية المختلفة من السكان، ومكافحة الأمراض السارية والمستوطنة، وتقليص درجة التباين في مستوى الخدمات والرعاية الصحية بين مناطق المملكة المختلفة.

-3التعليم والتدريب وتحديات المستقبل: ويعد هذا المحور من أهم مرتكزات التنمية البشرية، وأحد أهم وسائل معالجة الفقر وخفض معدلات الوفيات والخصوبة، ويتناول؛ التوسع الكبير في البنية التحتية لقطاع الخدمات التعليمية لمواجهة الاحتياجات التعليمية المتزايدة، والمرتبط بالزيادة المطردة للسكان، بما يتطلب توفير المنشآت والمستلزمات في مجال الخدمات التعليمية، هذا إلى جانب التوسع الكبير في مراكز التدريب، والعمل على المواءمة بين مخرجات التعليم والتدريب والاحتياجات الفعلية لسوق العمل.

-4الشباب (الأوضاع التعليمية والصحية والتوظيف): ويعد هذا المحور من أحد أهم محاور السياسة السكانية، باعتبار أن فئة الشباب يمكن أن تشكل دعامة قوية لتحقيق القفزات التنموية المستهدفة، ويقوم بدراسة أحوال الشباب ووضع السياسات الكفيلة بزيادة إقبالهم على الاستفادة من المرافق الرياضية والشبابية والثقافية، فضلاً عن تحسين أحوالهم الصحية وتطوير المناهج التعليمية لتواكب حركة التقدم العلمي، مع دراسة واقع سوق العمل ومتطلباته من القوى العاملة، والعمل على إتاحة المزيد من فرص العمل للحد من ظاهرة البطالة بينهم.

-5فرص المرأة في التعليم والعمل: ويتناول هذا المحور تطورات تعليم المرأة في المملكة والقضاء على الأمية، وتحفيز الطالبات على الإقبال على التخصصات العلمية وأهمية فتح مجالات لعمل المرأة، والحد من العقبات التي تحد من مشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية، وتوفير إمكانات كافية لتدريبها وتأهيلها لتمكنيها في عملية التنمية.

-6تهيئة البيئة الملائمة لإنجاز السياسة السكانية، وذلك يشتمل على ثلاثة عناصر رئيسية وهي:

-1بناء قواعد بيانات موثوقة ومحدثة خلال فترة زمنية محددة، وتكون متسقة مع قاعدة البيانات المعمول بها دوليًا.

-2تطوير أنظمة وبرامج التدريب في الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بالسكان، والاهتمام بالتدريب المستمر للعاملين.

-3تكثيف الدراسات السكانية لتحديد الأولويات وتقويم تنفيذ البرامج السكانية والاجتماعية المختلفة ومتابعتها.

-4الاهتمام بالبيئة من حيث تأثير العوامل السكانية على الوضع البيئي في البلاد، وذلك بحكم النمو المتسارع للسكان والتوسع العمراني، وما نتج عنه من التحديات، كالتلوث البيئي، وزيادة الطلب على المياه للأغراض المنزلية، والبلدية والصناعية والزراعية، والمحافظة على موارد المياه غير المتجددة من الاستنزاف وحماية الغطاء النباتي.

-7القضايا المستجدة: ويركز هذا المحور على أربع قضايا رئيسية: الفقر، والبطالة، والبيئة، والإسكان. حيث يتناول كل منها بالدراسة للتعرف على طبيعتها ومسبباتها وانعكاساتها السلبية على السكان، ثم تبني السياسات الكفيلة بتعديل تلك الأوضاع، والحد من آثارها السلبية.

لا شك أن تعديل مسمى «لجنة تعداد السكان»، إلى «لجنة السياسات السكانية» يخرجها من مفهومها الضيق المختزل في عملية التعداد السكاني، ليشمل جميع ما يتصل بالسكان من خصائص مختلفة، وما يتعلق بهم من سياسات تنموية، تحت مظلة رسمية واحدة؛ ستمكنها من احتواء جميع متطلبات التنمية السكانية، بتوجيه السياسات المؤسسية للقطاعات التنموية المختلفة، نحو الاهتمام بما يخدم الخصائص السكانية القائمة والمستقبلية، وبما يسهم في الحد مما نواجهه من تحديات، ويدفع نحو تصحيح بعض السياسات والإجراءات بما يخدم تطلعات المواطنين ومستهدفاتنا التنموية.