أقرأ هذه الأيام السيرة الذاتية للدكتور هاشم عبده هاشم كما سطرها في كتابه المعنون بالطريق إلى الجحيم. والحقيقة أنني أقرأ فيه على مهل، آملاً بأن لا تنتهي صفحاته. لم أكن أدرك وأنا أتصفح الكتاب في المكتبة قبل شرائه، بأنه سوف يكون وجبة فكرية دسمة جداً من ناحية الأفكار والمعاني والتأريخ لمرحلة إعلامية محددة في تاريخ صحافتنا السعودية.

الكتاب يحكي سيرة الدكتور هاشم من الصغر في مساقط رأسه الأولى في جازان، ومن ثم انتقاله إلى جدة. وفي هذه المسيرة يتحدث عن العديد من الحكايا التاريخية حول بعض الأحداث في عالم الإعلام والصحافة على وجه التحديد.

قبل أن أحدثكم عما أبهرني في الكتاب، دعوني أحدثكم لماذا أسماه هاشم بهذا المسمى الغريب على البعض. يقول: (عندما انتقلت للعمل كرئيس لتحرير جريدة عكاظ، لم تكن البداية سهلة على الإطلاق، بل على العكس من ذلك تماماً. فقد كانت في الحقيقة بداية لذلك الجحيم الحقيقي..الخ). هذا الجحيم الذي تحدث عنه هو ما شد انتباهي وأعجبني جداً في طريقة عرض هذه السيرة الصحافية السعودية. أعجبني جداً حديثه عن الأجواء الصراعية بين مجلس الإدارة ورئاسة التحرير عندما جاء إلى عكاظ، وكيف استطاع تهدئتها ومن ثم السيطرة عليها وتحويلها إلى صالحه، أبهجني حديثه عن رؤيته الفلسفية لما يرغب من الجريدة أن تكون عليه، استمتعت بحديثه عن رؤيته لكيفية التطوير وآلياته وموارده التي يسعى إليها. والأجمل من ذلك كله طريقته في تحديد مكامن الخلل في العامل البشري النشط في هذه الأجواء التنازعية وكيفية معرفته كقائد للدور المطلوب منه حيال هذا الطرف الداخل في الصراع، أعجبتني رؤيته ونظرته وتحليله للبيئة الخارجية المحيطة التي يرغب في الدوران في أفلاكها.

باختصار، ولأنني متخصص في العلوم الإدارية، فإنني وجدت متعتي وأنا أقرأ هذا الجحيم الذي يتحدث عنه. استمتعت جداً بطريقة عرضه للمشكلات، وطريقة إدارته لها. أعجبني كيف استطاع تحييد بعض العناصر التي لا ترغب في التطوير وإرجاعها للصفوف الخلفية عبر تعيين شباب جدد في قيادة التغيير الجديد للجريدة. ما كتبه وما دونه في كتابه، يستحق أن يكون مرجعاً لطلاب الإدارة وباحثيها، قبل أن يكون مرجعاً لطلاب الإعلام والصحافة والعلاقات العامة.

عزيزي القارئ، إذا كنت تود قراءة الكتاب ولا توجد لديك أي خلفية إدارية، فاسمح لي أن أبني في ذهنك هذه الصورة. تنطلق الخطوات الرئيسة للإدارة الإستراتيجية في أي عملية تغيرية لأي مؤسسة من عدد من المراحل، حيث تبدأ بكتابة رسالة، ثم تحديد رؤية، ثم تحليل للبيئة المحيطة والبيئة الداخلية، ثم بناء محاور إستراتيجية لمستقبل المؤسسة، وعليها يتم تحديد الأهداف، ومن ثم تتم صناعة المؤشرات القياسية، وأخيراً توضع المبادرات الإستراتيجية لتقليص الفجوة بين الأداء الحالي والأداء المستهدف.

عزيزي، ضع هذه الخلفية في ذهنك، وانطلق في قراءة ماتعة لسيرة سعودية إعلامية بارزة جداً على جبين الصحافة السعودية.