تأسست العلاقات الدبلوماسية بين الصين والمملكة في 21 يوليو 1990، مما فتح صفحة جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين.

رغم أن تاريخ العلاقات الدبلوماسية ليس طويلا، إلا أن تاريخ العلاقات بين الشعبين يرجع إلى ما قبل أكثر من ألفي عام، وقد قام طريق الحرير بتشغيل مقدمة التبادلات الودية بين الجانبين، خلال عهد أسرتي تانغ وسونغ (القرن السابع – القرن الثالث عشر)، كانت التبادلات بين الصين والعالم العربي نشيطة، سواء في مدينة تشانغان، لو يانغ وقوانغتشو وتشيوانتشو، وهناك عدد كبير من العرب يسافرون إليها للتجارة، مما ساهم في تبادل الصداقة بين الشعوب.

في القرن الخامس عشر، قام الملاح الصيني الشهير تشنغ هو من أسرة مينغ بزيارة مدينتي جدة ومكة المكرمة وأماكن أخرى، وقد تم إدخال الاختراعات الأربعة القديمة للصين إلى غرب آسيا وامتدت إلى أوروبا، كما تم إدخال العلوم والثقافة والفن في العالم العربي والإسلامي على نطاق واسع إلى الصين، مما أدى إلى ازدهار الحضارتين.

ومن قول كونفوشيوس: عندما يبلغ عمر الرجل ثلاثين، يصبح ناضجا وراشدا، ومع مرور الأعوام، سار تطور العلاقات بين الصين والمملكة بوتيرة شاملة ومتسارعة، وتتعمق الثقة السياسية المتبادلة باستمرار، ويتواصل توسيع التعاون بين البلدين في كافة المجالات، مما شكل نموذجا للتبادلات بين الدول.

تقوم العلاقات الصينية السعودية على أساس الثقة المتبادلة بين البلدين منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية، تحترم الصين والمملكة النظام السياسي ومسار التنمية وترعى المصالح المحورية والاهتمامات الرئيسة للآخر، فتسير العلاقات الثنائية إلى أعمق باستمرار.

في عام 1999 زار فخامة الرئيس الصيني جيانغ زيمين المملكة، وفي عام 2006 تبادل فخامة الرئيس الصيني هو جين تاو وجلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - الزيارات في العام نفسه، وفي عام 2008 زار فخامة الرئيس شي جين بينغ (وهو آنذاك نائب الرئيس) المملكة وأقام البلدان العلاقات الاستراتيجية الودية ودخلت العلاقات الثنائية مرحلة جديدة، في عام 2016، سُجلت الزيارة الثانية للرئيس شي جين بينغ إلى المملكة، وتم إقامة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين وتأسيس اللجنة الصينية السعودية المشتركة رفيعة المستوى، وزار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الصين لحضور الاجتماع الأول للجنة الصينية السعودية المشتركة رفيعة المستوى في نفس العام، مما أوصل العلاقات بين البلدين إلى ذروة جديدة.

أما في عامي 2017 و2019، فزار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان الصين على التوالي، الأمر الذي عزز وعمق الثقة السياسية المتبادلة بين البلدين والصداقة بين القيادتين أكثر، ورسخ أساسا متينا لتوطيد التعاون بين الصين والمملكة في كافة المجالات بشكل شامل.

في أوائل هذا الشهر، عُقد عن طريق الفيديو الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني العربي، وحضر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الاجتماع وألقى خطابا هاما مؤكدا استعداد المملكة للعمل مع الصين لبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية، واقترح استضافة قمة للقادة الصينيين العرب في المملكة.

وتقوم العلاقات الصينية السعودية على أساس الصداقة المتبادلة بين الشعبين، ونضع في اعتبارنا دائما التبرعات والمساعدات الكريمة من أصدقائنا السعوديين بعد الزلزال المدمر الذي ضرب مدينة ونشوان 2008.

في مارس 2017 تم افتتاح فرع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في بكين، وهو أول فرع للمكتبة خارج العالم العربي، وأصبح الربط والجسر للتبادلات الثقافية بين البلدين، منذ زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الصين العام الماضي، تتلقى اللغة الصينية ترحيبا حارا من قبل الشعب السعودي، وأقابل مزيدا من الأصدقاء السعوديين في مناسبات مختلفة يتبادلون التحيات معي باللغة الصينية.

وفي ظل مواجهة العالم لوباء كورونا هذا العام، أجرى فخامة الرئيس شي جين بينغ والملك سلمان مرتين اتصالاً هاتفياً، مما قاد اتجاه الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والمملكة، وعكس المساعدة المتبادلة بين البلدين، وعبر عن عزم الصين والمملكة على مكافحة الوباء بالتعاون.

يدل التاريخ مرارا وتكرارا على أن العلاقات الصينية السعودية صداقة لا تهزها الصعوبات، وقلوب الشعبين مرتبطة دائما.

وتقوم العلاقات الصينية السعودية على التعاون المثمر، وبدأ التعاون العملي بين الصين والمملكة قبل تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما، وكان رجال الأعمال السعوديون يحضرون معرض كانتون عام 1978. وخلال السنوات الـ30 الماضية، زاد حجم التجارة بين الصين والمملكة من 500 مليون دولار عام 1990، إلى 78.18 مليار دولار عام 2019، بزيادة أكثر من 150 ضعفا، وتعد المملكة أكبر شريك تجاري للصين في غرب آسيا وإفريقيا، وأكبر مورد للصين للنفط الخام، وقد شاركت المملكة في بناء «الحزام والطريق» بنشاط، كما انضمت المملكة إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية مبكرا.

في عام 2019، قامت عشرات الشركات الصينية في المملكة، حيث استثمرت أكثر من 2.5 مليار دولار في القطاع غير المالي، مما لعب دورا نشطا في تنفيذ رؤية 2030 والتنويع الاقتصادي، وخلق فرص عمل للشعب السعودي.

وفي يناير عام 2016، بدأ تشغيل مصفاة ينبع أرامكو سينوبك ياسرف، التي تمولها شركة سينوبك الصينية وأرامكو السعودية، بحضور فخامة الرئيس شي جين بينغ وجلالة الملك سلمان، ويعد مشروع مترو مكة المكرمة الذي شيدته شركة بناء السكك الحديدية الصينية كأول مترو في المملكة من أكبر استثمارات الصين في المملكة، وقد حظي بإشادة واسعة من المسلمين في أنحاء العالم لخلو سجله من الحوادث، وستكون مدينة جيزان الاقتصادية التي يشارك في بنائها عدد من الشركات الصينية قوة دافعة جديدة للتنمية الاقتصادية في مناطق سواحل البحر الأحمر للمملكة.

وتقوم العلاقات الصينية السعودية على الرؤية المشتركة، فكلا البلدين محب للسلام، ونتمسك سويا بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، للمحافظة معا على العدالة الدولية. وللبلدين نفوذ دولي مهم، والمملكة الشريك الحميم للصين في تشكيل الاقتصاد الدولي المنفتح والتنمية الإقليمية السلمية وبناء الحزام والطريق، وكلاهما عضو في مجموعة العشرين، ويدعم الجانب الصيني رئاسة المملكة للمجموعة في عام 2020، كما يقدر الجانب الصيني دور المملكة الفعال في تنسيق الجهود الدولية لمكافحة الوباء وتحقيق الاقتصاد العالمي المستقر، وسيدعم الجانب الصيني الجانب السعودي بقوة لإقامة قمة ناجحة لمجموعة العشرين.

الصين والمملكة شريكان متكاملان في شتى المجالات الاقتصادية والصناعية، كما تشارك الشركات الصينية بنشاط في تنمية وبناء المملكة، وللتعاون بين الجانبين آفاق واسعة في البنية التحتية الجديدة والتكنولوجيا الفائقة والذكاء الاصطناعي وغيرها من المجالات، وكلاهما يدعو إلى التعايش السلمي والحوار المتساوي بين الحضارات والأمم والأديان المختلفة، وبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية معا.

يقول العرب: الصداقة أرض زرعت بالمحبة وسقيت بالمودة، ومن الأقوال الصينية: الصداقة أثقل من الجبال والأنهار.

تمتاز العلاقات الصينية السعودية بالاستقرار والاستدامة، وذلك بفضل الرؤية والمصالح المشتركة.

بغض النظر عن الوضع الدولي، تنظر الصين إلى المملكة دائما كصديق وشريك وأخ عزيز، وستحضن العلاقات الصينية السعودية مستقبلا مشرقا بالتأكيد.

أخيرا وليس آخرا، أتمنى للصين والمملكة ازدهارا وللصداقة الصينية السعودية استمرارا إلى الأبد!

* السفير الصيني لدى المملكة