مرت أزمة كورونا الثقيلة بمراحل حملت شعارات رنانة، علها تساعدنا في تخطيها بأقل عدد ممكن من الإصابات والوفيات، منها «الزم بيتك» و«stay home»، إلى «كلنا مسؤول»، ثم «حقاً محترزون»، إلى المرحلة ما قبل الأخيره، وهي ما نعيشه الآن «نعود بحذر»، لتكشف لنا قدرتنا السريعة في الاندماج مع التحول الرقمي والافتراضي الذي استدعته ضرورة الحدث.

رأينا خلال الأشهر الخمسة الماضية «والتي تضمنت تلك المراحل بشعاراتها، في إطار الحجر المنزلي الذي فرضه علينا هذا الفايروس»، التزام الكل الإجراءات الاحترازية والبقاء في منازلهم، مقابل الحصول على الخدمات مقدمة سواءً أكانت مؤسسات ربحية أو غير ربحية بشكل مرن وسلس، وكأن الحدث ليس غريبا، والجميع معتاد عليه وعلى تلك الإجراءات، جراء سرعة التكيف ومرونة الالتزام.

على سبيل المثال لا الحصر وكأحد الباحثين والمنتفعين من خدمات مؤسسة دارة الملك عبدالعزيز التاريخية، أظهرت لنا الدارة في هذا المجال الكثير من الاحترافية في العمل، وذلك من خلال تطوير منظومة التحول الرقمي في ظل جائحة كورونا، لتقدم بذلك خدمات للباحثين والمؤرخين وطلاب الدراسات العليا، الذين يسرت لهم دراسة الموضوعات بالتحليل والتوثيق التاريخي، كما سهلت عملية البحث والاطلاع من المنزل خلال فترة الحظر الكلي. قد تكون تلك الجهود من مهام الدارة الأساسية، التي أنشئت من أجلها، والثناء هنا هو من باب التقدير والتحفيز المعنوي، ولكن ما رأيناه من جهود لمنتدى الدارة الذي قام بتفعيل المحاضرات الافتراضية المتنوعة عبر تطبيق «Zoom» منذ 10 مايو إلى 21 يونيو، استضاف فيها المنتدى كبار الأساتذة والمؤرخين، وقدموا عددا كبيرا من المحاضرات التي تميزت بمراعاتها لظروف الوقت واختلاف المتلقين وتعدد فئاتهم وشرائحهم، فجاءت متنوعة ولم تقتصر على موضوعات معينة كموضوعات التاريخ نفسه بحكم تخصص الدارة، فجاءت تثقيفية متنوعة، شاملة لمختلف التخصصات والأعمار والأجناس، في مقابل سهولة إجراءات التسجيل وحضور المحاضرات وطرح الآراء، وتقديم المداخلات والمشاركات البناءة التي كانت تزيد من ثراء المحاضرات وأهميتها. وقد خدم هذا العمل المؤسساتي والاحترافي دارة الملك عبدالعزيز في رفع اسمها كمؤسسة تاريخية ثقافية مستقلة، بعد أن ضمّ المجلس الدولي للأرشيف في باريس اسم الدارة للمؤسسات العلمية العالمية، ذات العلاقة بالمؤسسة الدولية، على خارطة النشاط التفاعلي الافتراضي خلال أسبوع الاحتفاء باليوم العالمي للأرشيف 2020. وتعد هذه الإشادة الثانية من المؤسسة العالمية الأم للأرشيفات في دول العالم بدارة الملك عبدالعزيز خلال شهر واحد، بعد أن أبرزت اسمها في قائمة الشرف للمؤسسات البحثية ودور النشر، التي دعمت التقيد بالبقاء في المنازل بسبب جائحة كورونا، بتنفيذها مجموعة من المحاضرات التثقيفية والتخصصية الافتراضية.