المال والبنون زينة الحياة الدنيا وبهجتها، والنعمة التي تحلو بها الحياة وتكتمل السعادة، ولكن شمس الإعلام الجديد الساخنة التي توسطت سماء العالم أصابت الطفولة بحروق من الدرجة الرابعة، شوهت معالمها إلى درجة تحتاج منا لجهد كثير لنرمم الضرر، ونعيد لها نصاعة براءتها المتفحمة.

الهدف من تكوين الأسرة والإنجاب ليس لإثبات وجود أو للحفاظ على اسم العائلة من الانقراض، أو لأنه وجاهة اجتماعية أو حيلة لربط الزوج بالبيت، أو الضغط على الزوجة لتنشغل بأبنائها عن أحلامها التي قد تكون خارج نطاق تفهم الزوج أو الأهل، أيضا هم ليسوا دمى بأرواح ننجبهم لنستمتع بهم أطفالا في الوقت الذي نستصعب فيه تربيتهم، الطفولة مسؤولية عظيمة وأمانة في عنق الوالدين اللذين يجب أن يقوما بدورهما تجاهها على أكمل وجه، فللطفولة حقوق كثيرة، منها التربية الحسنة والتعليم والعلاج والرعاية والحماية.. ولكن ماذا نعني بالحماية؟

الحماية معناها المحافظة على الطفل من كل ما قد يؤذيه جسديا ومعنويا ونفسيا، وما يحدث في منصات التواصل فيه اعتداء كبير وصريح على حقوق الطفل، وتهديد خطير لأمنه، حيث أصبح الحصول على زينة الحياة الأولى مرتبطا باستغلال بهجتها الأخرى، فأصبح الطفل وسيلة سهلة للحصول على المال والثروة، وهذا يتنافى كليا مع دورالأهل في توفير الحماية للطفل، حيث إن ذلك فيه اختراق عميق للخصوصية من خلال شهرة واسعة تضعه داخل إطار ضيق يمارس فيه خصائص مرحلته العمرية ويسرق منه كثيرا من شفافيتها، أضف إلى ذلك أن سعار المال وهوس الشهرة فيهما إرهاق كبير لجسد الطفل ونفسيته مقابل عائد مادي كبير يستفيد منه أهله، ليصبح هو مصدر المال الأسرع والأغزر، ومع الوقت تتوسع الغاية ليصبح الهدف الوصول إلى رفاهية حياة ورغد عيش باذخ يجر الطفل إلى نفق استغلال أكبر، وتدريجيا يصبح اعتمادهم الكلي عليه، ما يحمله مسؤولية أكبر لا تليق بالطفولة وبراءتها وأخلاقياتها، وهذا كله يعبث بالتركيبة النفسية للصغير التي تتناثر شظايا براءتها وبساطتها وسماتها الناعمة على أرصفة الشهرة وموت الخصوصية، ما يعرض الطفل للتنمر في مدرسته ومحيطه الاجتماعي، أو إن الأضواء تضخم عنده الأنا المجنونة بعظمة الشهرة والغرور والتعالي، فتصبح شهرته هي قيمته في المجتمع، والتي يجب أن يتنازل عن الكثير مقابل المحافظة عليها والنتيجة اكتئاب. فهو في الأول والأخير طفل يشتهي لعق حلوى طفولته، ولكنه محروم منها بسبب إصابته بمرض سكر الشهرة الذي يحرمه من ممارسة حياته بشكل طبيعي مثل أقرانه، فيضطر إلى تقديم مزيد من التضحيات بالتخلي عن سمات مرحلته العمرية، بإيعاز وتشجيع من أهله في البداية، وعندما يكبر ويكون أمره بيده، تتوسع دائرة الاكتئاب، حيث يضطر إلى البقاء في أعلى برج الشهرة الذي لو ترجل عنه لتاه في دروب حياته، والنتيجة حياة زائفة، وخصوصية مخترقة وحرية مكبلة بقيود الشهرة.

فما الحل إذن؟ الحل بتفعيل قانون حماية الطفل بشكل أكبر، بحيث تكون هناك إدارة تحصر أطفال مواقع التواصل المشاهير، سواء في السناب أو تويتر أو الإنستجرام أو الفيسبوك، وتراقب محتواهم، وتتدخل عندما تجد ما قد يتعارض مع حقوق الطفل، قبل أن يستفحل الأمر.

معاقبة كل من تسول له نفسه من أفراد الأسرة استغلال الطفل بما لا يتناسب مع طفولته عقابا لا رحمة فيه.

يمكننا أيضا إعادة توجيه موهبة الظهور وقدرات الطفل المستغل في تقديم محتوى هادف يخدم الطفل نفسه ومجتمعه ووطنه.

هناك خطوات كثيرة نستطيع أن نستفيد فيها من تميز هؤلاء الأطفال أكثر من استغلالهم، ما علينا فقط هو حمايتهم من أهلهم قبل كل أحد، ثم احتواؤهم ليكونوا فخرا مستقبليا لوطنهم ومجتمعهم وأهلهم وأنفسهم.